الأثنين 8 يناير 2007
أبو خلدون
ذات يوم، ذات امبراطورية اسلامية كان أباطرة الروم في أوروبا يحنون لها الرقاب، نقض الأمبراطور الروماني ldquo;نقفورrdquo; معاهدة الصلح التي كانت بين المسلمين وبين الامبراطورة الرومانية أريني، بعد أن خلعها الروم وملّكوه، وامتنع عن دفع الجزية، وأرسل إلى هارون الرشيد رسالة يقول فيها: ldquo;من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد، فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مكان الرخ وأقامت نفسها مكان البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حرياً بحمل أمثالها إليها، وذلك من ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك، وإلا فالسيف بيننا وبينكrdquo;.
ولما قرأ الرشيد الكتاب استبد به غضب لم يساوره من قبل، وكتب على ظهر الكتاب: ldquo;من عبد الله هارون إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما ستراه، لا ما ستسمعهrdquo; ثم شخص من يومه حتى أناخ بباب العاصمة الرومية، ففتح وغنم، فطلب نقفور الصلح على جزية يؤديها كل سنة، فأجابه الرشيد إلى ذلك، ثم كر راجعا بجيشه إلى بغداد، وعندما وصل الرقة شعر نقفور إن الرشيد لن يعود لمحاربته، لأن البرد كان شديدا، فنقض العهد ثانية، ولكن الرشيد رجع رغم صعوبة الطقس، ولم يعد إلا بعد إذلال نقفور. وبعد الغزوة الثانية لجأ نقفور إلى جحره ولم يعد يرفع راية العصيان، وعندما كتب إلى هارون الرشيد يطلب منه عتق إحدى السبايا الروميات بعد ذلك بفترة بسيطة كان طلبه أشبه بالالتماس والاستعطاف، فقد كتب يقول: ldquo;إلى عبد الله الرشيد من نقفور ملك الروم، أما بعد أيها الملك، إن لي حاجة لا تضرك في دينك ولا دنياك، أن تهب لابني جارية من بنات أهل هرقلة كنت قد خطبتها له، فإن أردت أن تسعفني بحاجتي فعلت ldquo;واستهداه طبيبا وسرادقا من سرادقاته، فأستجاب الرشيد إلى طلبه وأرسل إليه الجارية محملة بالمتاع والعطور والهداياrdquo;.
وذات يوم، ذات امبراطورية إسلامية كانت تحترم كرامة رعاياها وتدافع عنهم، تعرضت فتاة تقيم على أطراف الدولة الإسلامية لسوء معاملة من جانب الروم فصرخت: ldquo;وامعتصماهrdquo; فبلغت صرختها الخليفة المعتصم، فتحرك لنجدتها والانتقام لها، وجهز جيشا وغزا عمورية، وكان هذا الغزو درسا لكل من يفكر في الاعتداء على أي مواطن في الدولة الإسلامية، كائنا من كان.
وفي عهد الخليفة المأمون، الذي كان يقرب العلماء من مجلسه ويكافئهم على الكتب التي يؤلفونها بوزن الكتاب ذهبا، اشتهر اسم عالم في امبراطورية الروم كان من افضل علماء زمانه، فدعاه المأمون إلى بغداد، ووافق الرجل على الدعوة، وعندما علم الامبراطور الروماني بذلك، أرسل إليه من يقتله على الطريق، وانتقاما لهذا العالم ظل المأمون يشن غزوا على بلاد الروم في كل سنة في ذكرى مقتله.
رجال أضاؤوا التاريخ ورفعوا راية الإسلام عاليا في الآفاق. واهتمام بالوطن وبالمواطنين ورجال الفكر لا نجد له مثيلا في التاريخ. فأي شرف واعتزاز هو ذلك الذي يدفع خليفة المسلمين إلى تجهيز حملة لغزو دولة لمجرد أن أعرابية تعرضت لسوء معاملة فيها. امرأة عادية تتعرض لسوء المعاملة، فتهب الدولة بأسرها للدفاع عنها ونجدتها، وعالم يتعرض للاغتيال فتنتقم له الدولة بغزو سنوي في ذكرى اغتياله.
هذه صور من صور عزتنا يوم كنا مرهوبي الجانب أقوياء الأركان، أما الآن، فإن صرخات الاستغاثة تنطلق من كل مكان، من غزة ولبنان، من العراق والصومال، بينما نحن نصم الآذان عنها. لقد هنّا على أنفسنا فتعرضنا للإهانة حتى من جانب أثيوبيا.
التعليقات