روبرت باير
أصبحت القطّة الناعمة الآن خارج مَحبسِها تتحرك بحرية وشراسة.
بفضل الصور الواردة من هاتف خليوي، عرفنا الآن أن وحدة الشرطة quot;الوطنيةquot; العراقية التي سلّمناها صدام حسين، هي ليست في الواقع أكثر من عصابة من الغوغاء الشيعة. لم يبذل جلادو صدام خلال تنفيذهم حكم الإعدام أي مجهود لإخفاء ولائهم الحقيقي لمذهبهم أولاً وليس لوطنهم.
لقد أهانوا الرئيس العراقي المخلوع بِذِكرِهم اسم رجل الدين الشيعي وصاحب النفوذ، مقتدى الصدر. بعد ذلك، رقصوا حول جثة صدام.
صدام حسين لم يُخفِ هو الآخر رأيه بهؤلاء. في إحدى المرات وصفهم بـ quot;الفرسquot; ـ بعبارة أخرى، خونة ـ وكان خياره هذا بإهانة الشيعة المرتبطين بإيران واضحاً لا لبس فيه. مثلهم مثل صدّام، فغالبية العراقيين السُّنّة ينظرون إلى الصدر على أنه ليس أكثر من وكيل إيراني مدفوع الثمن، أما ميليشياته، أو جيش المهدي، فهي ليست سوى صنيعة إيرانيّة. السُّنّة مقتنعون أنه حالما تتوفّر الفرصة للصدر يوماً فإنّه سيقوم بتسليم العراق إلى إيران.
الصدمة الأكبر التي شعر بها السُّنّة ليس بسماعهم اسم الصدر عالياً في حفل إعدام صدّام فحسب، بل بوجود عناصر يمثلون إيران وموالين لها في ساعة ومكان الإعدام، وربما كان دبلوماسيون إيرانيون أيضاً قد حضروا الإعدام.
وكنتيجة منطقيّة، يعرف السُّنّة وكل مَن على دراية بتاريخ العراق، لماذا صاح منفِّذو إعدام صدام باسم آية الله السيد محمد باقر الصدر، والد زوجة مُقتدى. لهذا الشخص دلالات عميقة.
ربما يكون آية الله الصدر، الإيراني والذي أعدَمَهُ صدام عام 1980، مسؤولاً كمسؤولية آية الله الخميني عن بعث التمرّد الشيعي الحديث على الإسلام السُّنيّ، لقد أسَّسَ الصدر حزب الدعوة، وهي منظمة سريّة عنيفة وضعت هدفاً واحداً لها هو إنشاء جمهورية إسلامية عراقية شيعيّة ـ واليوم تحوّلت المنظمة السرّية إلى حزب سياسي لا يضم سوى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كعضو فيها.
في عام 1979، وقف محمد باقر الصّدر والمنظمة السرية التي أسّسها إلى جانب الثورة الإيرانيّة بقوة ليثيرا القلاقل والمظاهرات في جميع أنحاء العراق. وبعد محاولة الصدر وتنظيم الدعوة اغتيال طارق عزيز، وزير خارجية صدّام حسين منذ فترة طويلة، في 1 أبريل 1980، قام صدام في خطوة سريعة، إلى حد ما، بإعدام الصدر.
عند اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية بعد خمسة أشهر ونيف، وقف تنظيم الدعوة السريّ بقوة إلى جانب إيران وقام بتنفيذ تفجيرات في بغداد لإضعاف موقفها في الحرب. كان صدام مقتنعاً بأنه ما لم يُجهض الصدر - أي إيران ـ فإنّه سينتهي مُعلّقاً على المشنقة. وبعد سنتين، حاول حزب الدعوة اغتيال صدام حسين في الدجيل، مما دفعه لإنزال العقوبة بها، وقد كانت السبب في شنقه يوم السبت 30 ديسمبر 2006.
للغرب أيضاً تجربة دموية مع تنظيم الدعوة التابع للصدر. ففي ديسمبر 1983، هاجم حزب الدعوة السفارتين الأمريكية والفرنسية في الكويت.
كان حزب الدعوة المحور الأساسي الذي أنشأت إيران مِن خلاله حزب الله اللبناني. وشأنه شأن حزب الدعوة، بدأ حزب الله كمجموعة سرية شيعيّة عنيفة ذهبت إلى حد خطف العشرات من الأجانب واختطاف نصف دزينة من الطائرات خلال الثمانينات، لتظهر في وقتٍ لاحق، مثلها مثل حزب الدعوة، كحزب سياسي ولتصبح الآن اللاعب السياسي الرئيسي في لبنان.
الوقت وحده كفيل ليكشف لنا نوايا الصدر إزاء العراق، وكيف سيتصرّف بالعراق إذا ما استولى عليه بشكلٍ مُطلق. لكن السنة اليوم سيقولون لكم إنهم ليسوا بحاجة للانتظار. في يوم السبت شاهدوا كافة القرائن التي احتاجوا إليها: الرمزيّة في إعدام صدام حسين في أول يوم عيد الأضحى، أقدس أيام المسلمين، كهدية للشيعة واحتقار للسُّنّة، وكذلك شاهدوا المالكي
وهو يحصل على موافقة خاصة من كِبار رجال الدين الشيعة في المرجعية لتنفيذ الحكم في أول أيام العيد.
لا أحد أبداً سيحتاج لأخذ استطلاع للرأي، لكن يمكن القول بسهولة إن معظم مخاوف السُّنّة من أن يتحقق حلم آية الله الصدر بتحويل العراق إلى جمهورية إسلامية شيعية يتم إلحاقها بإيران، قد أصبحت بالفعل حقيقة واقعة.
التعليقات