الثلاثاء 9 يناير 2007

عبد الوهاب بدرخان

لم يكن متوقعاً، في أي حال، أن يمر إعدام الرئيس العراقي السابق من دون ضجيج وتداعيات، فمنذ سقوطه ونظامه، ثم اعتقاله، فالتحقيق معه، فمحاكمته في قضيتي quot;الدجيلquot; وquot;الأنفالquot;، وصولاً إلى إعدامه، كانت ردود الفعل تنبئ بأن رمزية الرجل أقوى حتى من شخصه. والأكيد أن ممارسات الحكام العراقيين بعده لم تساعد إطلاقاً في إضعاف مفاعيل رمزيته داخل العراق وخارجه.
الأخطر من إعدام صدام حسين كان ولا يزال إصرار من أعدموه على أنهم يتصرفون بصواب لا يقبلون فيه بأي جدل أو مساءلة، حتى أن نوري المالكي ردّ على الانتقادات بأن الإعدام quot;شأن داخليquot;، أما موفق الربيعي، فتساءل: أين الخطأ في أن يرقص الجلاّدون على جثة صدام؟
بديهي أن مثل هذه الاعتبارات لا يريد أصحابها أن يفهموا لماذا أثار الإعدام على هذا النحو مثل هذه المواقف ممن كان يتعاطفون مع صدام، وممن كانوا خصوماً بل أعداء له على السواء. والمؤسف أن هذا الإحجام عن الفهم ينسحب على معظم ممارساتهم ويوقعهم بل يوقع العراق أكثر فأكثر في هاوية العبث.
لم يفهموا، مثلاً، أنهم في سعيهم إلى إدانة الطاغية انتهوا إلى تلبّس كل صفاته السيئة ثم تجاوزوها إلى نوع أشد وأدهى من الطغيان المتنكِّر بديكور الديمقراطية. لم يفهموا أن الشأن العراقي quot;الداخليquot; لا وجود له طالما أن هناك احتلالاً، وعلى افتراض وجوده، فإنه لا يعفيهم من أن تكون لديهم عقول في رؤوسهم ليدركوا أن الإعدام صبيحة عيد الأضحى اختيار سيئ حتى لو كان الهدف منه تقديم هدية عزيزة وثمينة للرئيس الأميركي. وبمعزل عما قيل عن المحاكمة وخطلها، فإنهم لم يفهموا أيضاً أن تنفيذاً رزيناً للحكم كان يمكن أن يكون فتحاً لصفحة جديدة تطل على مصالحة وطنية ما بدل أن يكون وقوداً لمزيد من الأحقاد quot;الداخليةquot; وهي الأهم، قبل الخارجية.
كل المحاولات التي بذلها الأميركيون للتنصل من اللاأخلاقيات التي رافقت الإعدام لم تعفهم من المسؤولية. فالطريقة التي تعاملوا بها مع الحكم قبيل تنفيذه تشبه الطريقة التي تعاملوا بها مع العراق بعد غزوهم واحتلالهم له. لم يجدوا ضرورة لاحترام البلد وأهله، لكنهم كانوا سيكسبون أكثر لو فعلوا. وربما كانوا سيوفرون على أنفسهم هذا التورط المكلف والمتعب، بل ربما كانوا سيحافظون على حياة معظم الثلاثة آلاف قتيل أميركي، لكنهم فضلوا هذا المسلك الذي ألغى الدولة والجيش والمؤسسات وحتى المستشفيات والمدارس، لأنهم أرادوا منذ البداية إلغاء العراق الذي عرفناه لمصلحة عراق مفتت ومقسم ومعدوم التأثير في استراتيجية المنطقة. وإذا كان له من تأثير فهو في بثه الأمراض ذاتها من فوضى داخلية وميليشيات مستقوية على الدولة، ودويلات تعيش تحت رحمة مخاوفها وتحت سلطة الاحتلال الأجنبي.
أمام المخاطر الآتية، التي طالما عبر الأميركيون عنها بالقول إن خريطة جديدة للشرق الأوسط في صدد التشكل، لم يكن صدام حسين قبل سقوطه الضمان الصلب لاستقرار المنطقة، وإنما استخدم وسيلة لجعل هذا العبث الأميركي الفوضوي خياراً ممكناً. وحتى قبل إعدامه لم يعد صدام رهاناً مستقبلياً، لا لأنصاره المحبطين ولا لأعدائه المأزومين.
كان ببساطة حاكماً عربياً في المعتقل، خسر كل شيء، وتسبب أو يكاد يتسبب بخسارة مماثلة لعرب الشرق الأوسط والخليج. كان سيقتل أو يعدم أو يموت طبيعياً، لكن حالة الاحتلال للعراق حتمت أن يمهر موته بتوقيع المهانة، كما لو أن الحاكم المحتل أراد إنذار حكام عرب آخرين، لكنه أخفق في جعل خلفاء صدام في بغداد يستشعرون الإنذار نفسه، فلو فعلوا لكانوا سجلوا لفتة تاريخية في مصلحة التعايش المقبل بين أبناء العراق.
عراق ما بعد صدام، هو العراق الذي نشهده للأسف قبل الإعدام وبعده، عراق يقرر الاحتلال مصيره فيما يظن حكامه أنهم أصحاب القرار. لكن الاحتلال لم يبدُ يوماً مؤهلاً إلا لتنفيذ مخططات فاشلة بمقاييس السلام والاستقرار والدمقرطة، لكنها ناجحة جداً بمقاييس التخريب واستنهاض الانقسامات والتطرفات طالما أن الهدف المزدوج يتحقق: ضمان الهيمنة الأميركية وضمان مستقبل إسرائيل.