الثلاثاء 9 يناير 2007


خيرالله خيرالله


تبحث أدارة بوش الأبن عن مخرج من العراق. في أطار السعي ألى مثل هذا المخرج، جاءت التغييرات الداخلية الأخيرة التي شملت نقل السفير في بغداد زلماي خليلزاد ألى الأمم المتّحدة في نيويورك وأحلال راين كروكر السفير في باكستان والخبير في شؤون الشرق الأوسط مكانه. وسبق لكروكر أن كان سفيراً في لبنان والكويت وسوريا، كما عمل في الماضي في سفارة بلاده في طهران في آخر أيّام حكم الشاه، كذلك في السفارة الأميركية في كلَ من دمشق وبيروت حيث كان شاهداً على الأجتياح الأسرائيلي في العام 1982 وعلى نسف السفارة الأميركية في العاصمة اللبنانية في أبريل- نيسان من العام 1983. هناك تغييرات أخرى في غاية الأهمّية أجراها الرئيس الأميركي طغى عليها الجانب الأمني وتصب كلّها في سياق واحد هو العراق الذي تحوّل ألى هاجس القوة العظمى الوحيدة في العالم، أنّه الهاجس الوحيد لديها هذه الأيّام، هذا أذا أستثنينا هاجس الأرهاب الذي باتت تعتبره جزءاً لا يتجزّأ من الملفّ العراقي.
ترافقت التغييرات في الأدارة، التي جاءت عشية أعلان الرئيس الأميركي عن توجّهات سياسية جديدة في العراق، مع الأستعداد لأرسال مزيد من القوَات الأميركية ألى هذا البلد، وهو أمر قد يحدث أو لا يحدث، وذلك في محاولة للقول أن البحث عن مخرج لا يمكن التوصّل أليه من دون أنجاز ما على الأرض. مثل هذا الأنجاز المفترض أقرب ألى الوهم من أيّ شيء آخر وهو يعكس الرغبة في تحقيق شيء ما أميركياً في محاولة لكسب الوقت ليس ألاّ، ذلك أنّه ذا كانت حرب العراق أثبتت شيئاً، فأنّها اثبتت أن الولايات المتحدة فشلت في العراق فشلاً ذريعاً. الدليل على الفشل ألطريقة التي أعدم بها صدّام حسين والتي اعادت الأعتبار ألى الرجل الذي لم يكن هناك من يعتقد أن في الأمكان اعادة الأعتبار أليه هو الذي أرتكب في حياته كلّ أنواع الأخطاء التي لا يصعب وصفها بغير كلمة الجرائم.
لعلّ أخطر ما في الطريقة البشعة التي أعدم بها صدّام أثر المحاكمة ذات الطابع الهزلي التي أُخضع لها، أنه تبيّن بعد ثلاث سنوات وتسعة أشهر من الأحتلال الأميركي أن لا وجود لمؤسسات عراقية. كلّ ما في الأمر أن العراق تحوّل من حكم عائلي- بعثي أقامه صدّام ألى حكم تتحكّم به الميليشيات التابعة لأحزاب مذهبية تعمل على تصفية حساباتها مع رجالات النظام المخلوع لأسباب لا علاقة لها بالعدل والعدالة. أين النموذج الديموقراطي الذي يتحدّث عنه بوش الأبن؟ أين مشروع أقامة دولة ديموقراطية في العراق تكون نقيضاً للدولة التي أقامها صدّام حسين؟ ما تبيّن أثر تنفيذ حكم الأعدام في حقّ صدّام بالطريقة التي نُفّذ بها أن النظام الجديد ونظام الديكتاتور المخلوع وجهان لعملة واحدة. الفارق في التفاصيل لا أكثر. لم تحصل نقلة نوعيّة في العراق. كلّ ما في الأمر أن ميليشيا حزبية قررت الأنتقام مما تعتبره عصابة حاكمة. ولهذا السبب ليس لغيره أعدم صدّام حسين فيما الجمهور يردد quot;مقتدى، مقتدىquot; بمعنى أن مقتدى الصدر ينتقم من الرجل الذي أعدم والده الشهيد محمد باقر الصدر وعمّه الشهيد محمد صادق الصدر.
ليس بهذه الطريقة تبنى الأوطان والدول والنماذج الديموقراطية. فالدول لا تنتقم. الدول تقيم العدالة مستندة ألى القانون ولا شيء غير القانون بعيداً عن أيّ نوع من الحسابات الشخصية. ما حصل في العراق فضيحة بكلّ المقاييس يتحمّل مسؤوليتها الأميركيون. لا يعنى ذلك أنّه لم يكن هناك مبرر لأسقاط نظام صدّام واعتقاله ومحاكمته على ما أرتكبه من جرائم في حقّ العراق والعراقيين من سنة وشيعة وعرب وأكراد وفي حق العرب كلّ العرب ودول المنطقة، خصوصاً في حق الكويت. على العكس من ذلك، كان يفترض في الأميركيين والحكّام الجد للعراق، خصوصاً، أن يظهروا أنّهم أفضل من الرئيس المخلوع وأنّ العراق أنتقل من مرحلة ألى أخرى. ولكن ما العمل عندما تلتقي عوامل عدّة تدفع في أتجاه أستعادة المشهد الهمجي الذي يتكرر منذ الرابع عشر من يوليو- تمّوز من العام 1958 عندما حصل أنقلاب أسود دموي، سُمَي بكل وقاحة وصلافة quot;ثورةquot;، قضى على الحكم الملكي الذي ساعد في تكوين مؤسسات لدولة حديثة قابلة للتطويرعلى علاقة بالحضارة وبالمجتمعات المدنية.
في مقدّم العوامل التي أدّت ألى تنفيذ حكم الأعدام بالطريقة التي نفّذ بها أن النظام في أيران مصرّ على الأنتقام من صدّام بعد محاكمته في قضية مرتبطة بالحرب بين البلدين. هذه القضية هي الدُجيل، البلدة التي تعرّض فيها الرئيس العراقي المخلوع لمحاولة أغتيال في العام 1982 في عز الحرب العراقية الأيرانية. تبيّن وقتذاك أن أيران لم تكن بعيدة عن العملية التي نفّذتها عناصر من حزب quot;الدعوةquot; الذي ينتمي أليه رئيس الوزراء الحالي السيّد نوري المالكي. وما يمكن قوله الآن أن تلاقياً حصل بين الجانبين، أي طهران وquot;الدعوةquot;، أدّى في النهاية ألى الأعدام. وبذلك أظهرت أيران أنها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في العراق، فيما أعتبر الحزب المذهبي الذي كان وراء محاولة الأغتيال أنه صفّى حساباً شخصياً مع الديكتاتور الراحل الذي سعى بعد نجاته من المحاولة ألى القضاء على الحزب. وكان برزان التكريتي الأخ غير الشقيق للرئيس الراحل ومدير المخابرات وقتذاك، من تولى تنفيذ أوامر صدّام على صعيد ملاحقة عناصرquot;الدعوةquot;. ونظراً ألى أنّه لم يعد لبرزان أي موقع بارز في السلطة منذ أستقالته من المخابرات أواخر العام 1983 ، كان لا بدّ من ملاحقته في قضيّة الدجيل ما دام المطلوب أعدامه وتنفيذ الحكم الذي أصدره حزب quot;الدعوةquot; في حقه ...
هذه بكل بساطة قضيّة الدجيل التي أُعدم بسببها صدّام. أنها قضية مرتبطة بالحرب مع أيران التي تريد أن تؤكد أنها المنتصر الأوّل في الحرب الأميركية على العراق. هل في أستطاعة أدارة بوش الأبن التي سلَمت الديكتاتور ألى أولئك الذين يريدون تصفيته الرضوخ للواقع العراقي المتمثل في هيمنة طهران على الحكومة العراقية، أم أن التغييرات في الأدارة الأميركية مؤشر ألى خيار مختلف عبّر عنه الرئيس الأميركي حين تحدّث عن quot;فريق جديد للحقبة الجديدةquot;.
ما هي هذه quot;الحقبة الجديدةquot; ؟ يصعب التكهن بما ستفعله الولايات المتحدة التي لا تستطيع الأنسحاب من العراق في أي شكل وتسليم البلد ألى أيران بشكل رسمي. فتسليم العراق ألى أيران يعني بكل بساطة نهاية الدور الأميركي ليس في المنطقة فحسب، بل على الصعيد العالمي أيضا. وبكلام أوضح، لن تكون أيران عندئذ الرابح الأوّل وربّما الوحيد من أسقاط الأميركيين لنظام صدّام فحسب، بل ستكون الرابح من أنتهاء الحرب الباردة التي أدّت ألى أنهيار الأتحاد السوفياتي. أن الأنسحاب الأميركي من العراق سيقود ألى أنتصار المشروع الأيراني في منطقة تضم أكبر أحتياط نفطي في العالم. هل مسموح أن يكون العالم الصناعي كلّه، من اليابان، ألى الصين، ألى الهند، ألى دول جنوب شرقي آسيا... ألى أوروبا والولايات المتحدة نفسها، تحت رحمة أيران القادرة على التحكم بنفط الخليج ونفط العراق، أضافة ألى نفطها؟
في quot;الحقبة الجديدةquot; التي أشار أليها الرئيس الأميركي، تبدو الخيارات واضحة. أنّ الأدارة الأميركية أمام أستمرار الوضع الراهن في العراق، أي الأقرار بأنّ طهران صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فيه وفي أماكن أخرى خارجه بما في ذلك لبنان وفلسطين وغيرهما، أو الدخول في مواجهة مع أيران. لماذا لا يكون هناك خيار ثالث يتمثّل في حوار صريح مع طهران كما أوصت دراسة بيكر- هاملتون؟ في الأسابيع القليلة المقبلة، سيتبين هل الخيار الأميركي الدخول في مواجهة مع أيران أو التمهيد لحوار معها. في أنتظار تحديد واشنطن لخيارها الذي سيكون ترجمة لquot;الحقبة الجديدةquot; التي قد تعني، على الأرجح، الدخول في مواجهة مع أيران وليس الحوار معها، لن يتوقف العراقيون عن تصفية الحسابات في ما بينهم بما في ذلك الحسابات ذات الطابع الشخصي والمذهبي التي خلّفتها الحرب العراقية- الأيرانية... ثمة من يريد اللعب في الوقت الضائع والأستفادة منه.