د. قدري حفني


إن قرارات الإنسان وتصرفاته لاتكون استجابة مباشرة للأحداث الواقعيةrlm;,rlm; بل تتحدد اساسا وفقا لتفسيره لتلك الاحداثrlm;,rlm; ومن هنا فقد اهتم علم النفس السياسي بدراسة تأثير الصور الاعلامية في دفع المتلقي صوب تفسير محدد للواقع يخدم مصالح صناع تلك الصورrlm;.rlm; وغني عن البيان أن كل الصور الإعلامية تقوم علي عملية معالجة أو مونتاج تحذف شيئا وتركز علي أشياء ولكنها لاتخترع واقعة من فراغ وإلا فقدت مصداقيتهاrlm;.rlm;

لقد تم إخراج مشهد إعدام صدام حسين بحيث يبدو في صورة الرمز المسلم السني الذي يمضي إلي الموت معلنا عداءه للولايات المتحدةrlm;,rlm; وللشيعة عملاء الفرس والحقيقة أن صدام كان نموذجا متطرفا للحاكم المستبد الدموي الذي لم يستثن أحدا من دمويته شيوعيا كان أو بعثياrlm;,rlm; شيعيا كان أو سنياrlm;,rlm; بل حتي زوجا ابنتيه لم يسلما من حمام الدمrlm;,rlm; وهو ثاني اثنين من الحكام الذين عرفتهم الأمة العربية أقدما علي قصف مدينتين مأهولتين بآلاف السكان في بلديهماrlm;.rlm; الفارق أن القصف كان في المرة الأولي بالصواريخrlm;,rlm; وفي المرة الثانية بالغازات الكيمياوية السامة وكان الضحايا في المرتين من المسلمين السنةrlm;,rlm; وكان الحاكمان ينتميان إلي حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لم يكن يوما حزبا إسلامياrlm;.rlm;

وأبرز مخرجو المشهد أن منفذي الاعدام ومن سمح لهم بحضوره وتصويره من الشيعةrlm;,rlm; وأسمعونا هتافاتهم تفصح عن هويتهم وشماتتهم بعد أن اقتصرت إدانة صدام حسين علي ماتعرضت له قرية الدجيل الشيعيةrlm;.rlm; ولم تتعرض لائحة الاتهام لقتل الآلاف من سكان قرية حلابجة الكردية السنية بالغازات السامة عامrlm;1988,rlm; ربما لأن الأقاويل كثيرة عن مشاركة الشيعة والإيرانيين في ارتكاب تلك المذبحة فضلا عن دعم الولايات المتحدة لصدام حسين آنذاكrlm;,rlm; ولعله بسبب ذلك تحاشت المحكمة الأمر برمته خوفا من فتح ملفات لاتتفق مع الفرز الطائفي المستهدفrlm;.rlm;

تم كذلك تغييب العنصر الأمريكي تماما عن مشهد التنفيذrlm;,rlm; بل وعن مشاهد المحاكمةrlm;,rlm; رغم أن الجلادين لم يتسلموا صدام من أيدي الأمريكيين إلا قبيل تنفيذ الإعدامrlm;,rlm; فلقد آثر المخرج ألا يشارك في العرض هذه المرة بالذات رغم أنه لعب الدور الرئيسي في مشهد أسر صدام وإخراجه من مخبئهrlm;,rlm; وللظهور والإخفاء قصد لعله لايغيب عناrlm;.rlm;

لقد تمثل الهدف الرئيسي من إخراج مشهد الإعدام بهذه الصورة في إغلاق الباب أمام أي مصالحة شيعية سنية يمكن أن توحد المقاومة ضد الاحتلال الأمريكيrlm;,rlm; ولعل ذلك هو السبب الكامن وراء ذلك الإسراع المريب في التنفيذrlm;.rlm;

وقد تم اختيار التوقيت عن قصد باعتبار أنه أول أيام عيد الأضحي بالنسبة للسنة بعد أن تقرر أن يبدأ العيد بالنسبة للشيعة في اليوم التاليrlm;,rlm; وبذلك فإنه قد يمثل المناخ الأنسب لصب الزيت علي نيران الفتن الطائفية بالتركيز علي أن الشيعة قد أعدموا صدام حسين الرمز السني العربي في يوم عيد السنةrlm;.rlm;

إن اختيار عيد الأضحي لتنفيذ الإعدامrlm;,rlm; يعيد إلي الاذهان واقعة شهدها العراق منذ ثلاثة عشر قرنا في عصر خلافة هشام بن عبدالملكrlm;,rlm; حين ساق والي العراق خالد بن عبدالله القسريrlm;,rlm; الجعد بن درهم موثقا بقيوده إلي المسجد في مدينة الكوفة يوم عيدالأضحي سنةrlm;119rlm; هجريةrlm;

وبعد أن خطب قائلاrlm;:rlm;أيها الناسrlm;!rlm; ضحواrlm;,rlm; تقبل الله ضحاياكمrlm;,rlm; فإني مضح بالجعد بن درهم جز عنقه بالسيفrlm;,rlm; وانتقلت أفكار الجعد إلي الجهم بن صفوان الذي قتل أيضا سنةrlm;128rlm; هجرية في خراسانrlm;,rlm; وهو الاسم الذي أطلقه العرب علي أفغانستان وإيران آنذاكrlm;.rlm; ولم يلبث أن لقي خالد بن عبدالله القسري قاتل الجعد مصرعه في المحرم من سنةrlm;126rlm; هـ علي يد والي العراق الجديد يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي والذي قتل بدوره في سنةrlm;127rlm; هـrlm;.rlm;

ولسنا بصدد الخوض في تفاصيل الاتهامات التي تسببت في قتل الجعد بن درهمrlm;,rlm; أو تلك التي تسببت في قتل قاتلهrlm;,rlm; أوقتل قاتل قاتلهrlm;,rlm; أو قتل الجهم بن صفوانrlm;,rlm; فكتب التاريخ تفيض بتفاصيل التفاصيلrlm;,rlm; كل ما يعنينا في هذا المقام أن نستخلص عددا من الدروسrlm;:rlm;
rlm;
*rlm; أن القتل لم ولن ينجح في وأد فكرة مهما كان شذوذهاrlm;,rlm; وأنه لاسبيل للتصدي للافكار سوي بدحضها عن طريق المناقشةrlm;,rlm; تستوي في ذلك أفكار الجعد بن درهم أو الأفكار البعثية العربية الاشتراكيةrlm;,rlm; أو غير ذلك من أفكارrlm;.rlm;
rlm;
*rlm; أن ثمة مخططا لإعادة رسم خريطة المنطقة علي أساس مذهبي طائفي عرقي وأن ما نشهده في العراق وفلسطين ولبنان قد لايكون سوي خطوات في سبيل إعداد مسرح العمليات ليشمل المنطقة بكاملهاrlm;.rlm;
rlm;
*rlm; أن مصر ليست بعيدة عن أهداف ذلك المخططrlm;,rlm; وأن السبيل الأوحد لمواجهته هو أن نؤمن بأننا جميعا في زورق واحد هو الوطنrlm;,rlm; وأن علينا أن نتعايش معا تحت راية المواطنةrlm;.rlm;

ولعله مما يدعو للتفاؤل أن بنيتنا المصرية مازالت حتي الآن ورغم كل شيء عصية علي التفتيتrlm;.rlm;