عباس الطرابيلي


مرة أخري نعود للحديث عن الصومال، ليس فقط لأن الصومال يمثل إحدي حلقات الأمن القومي المصري، ولكن لأن ما يجري فيه إنما هو جزء من مخطط كبير لبسط النفوذ الأمريكي في شرق القارة الأفريقية.. والصومال بموقعه يمثل أخطر نقطة في هذا الشرق الأفريقي. ولأن الدرس كان غالياً عندما حاولت أمريكا أن تضع أقدامها في الصومال في أوائل التسعينيات، وانسحبت مهزومة.. فانها رأت هذه المرة أن تحقق هدفها، ولكن بقوات أثيوبية..

** ولأننا نرفض مقولة أن قوات اثيوبيا تدخلت بناء علي طلب من الحكومة الصومالية المؤقتة. فانا نقول إن التحرك الأمريكي بدأ عندما استولت قوات المحاكم الاسلامية علي العاصمة الصومالية مقديشيو، وبذلك تكون قد وحدت معظم أنحاء جمهورية الصومال بالشكل الذي ظهرت به يوم الاستقلال..

وكان وصول القوات الاسلامية إلي مقديشيو بداية مد إسلامي في شرق أفريقيا، حيث الأغلبية مسيحية سواء في اثيوبيا أو كينيا، أو تنزانيا.. وهذا لا يرضي أمريكا ومخططها في منطقة القرن الافريقي التي تتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتطل مباشرة علي المحيط الهندي.. وبذلك ينفتح علي بحر العرب، والخليج العربي..

** ولم تتحرك أمريكا عسكرياً بشكل مباشر إلا بعد أن تمكنت قوات أثيوبيا من دخول مقديشيو، هنا بدأت الطائرات الأمريكية تتحرك جواً إما من قاعدتها في جمهورية جيبوتي المجاورة شمالاً.. أو من المحيط الهندي الذي ترابط في مياهه الآن حاملة الطائرات أيزنهاور، وهاهي تقصف مواقع علي الأرض الصومالية بحجة أنها تؤوي بعض عناصر تنظيم القاعدة، الذين تتهمهم بأنهم كانوا وراء تفجيرات سفارتيها في كينيا وتنزانيا..

وهكذا يخرج شعب الصومال من حرب أهلية استمرت 15 عاماً إلي حرب صراعات بين حكومة مؤقتة وحكومة المحاكم الاسلامية لتدخل مرحلة تصفية الحساب بين أمريكا وشعب الصومال.. ولا نعرف متي يتوقف هذا الحساب.

** والمؤلم أن القضية كلها ليست بعيدة عن المطامع الاقليمية فاذا كانت اثيوبيا تحتل اقليم أوجادين الصومالي الأصل وكينيا تحتفظ أيضاً بمساحات من الوطن الصومالي.. فان اثيوبيا مثلا تحاول إطالة أمد الصراع الصومالي ـ الصومالي لكي لا يعود الصومال موحداً، فيطالب كما طالب محمد سياد بري رئيس الصومال الموحد باقليم أوجادين، ودخل في حرب طاحنة ضد اثيوبيا..

ليس هذا فقط.. بل ان اثيوبيا دخلت بقواتها إلي الصومال لأن عيونها علي مياه المحيط.. فهي دولة قارية ليست لها سواحل بحرية، منذ استقلت اريتريا.. وإذا كانت جيبوتي تسمح للبضائع الاثيوبية بالخروج من موانيها الا أن اثيوبيا تطمع في أكثر من ذلك..

** وبكل التقدير نتابع مجهودات مصر لوقف تدهور الأوضاع في الصومال.. فقد استقبل الرئيس مبارك وزير خارجية اثيوبيا الذي جاء حاملاً رسالة من رئيس وزرائها زيناوي.. ثم استقبل بعده الرئيس الاريتري اسياسي أفورقي وكان المحور الأساسي للزيارتين هو اعلان مصر عن رأيها في الا تبقي القوات الاثيوبية طويلا في الصومال.. وكذلك تشجيع اريتريا علي عدم التدخل.. وأصرت القاهرة علي احلال قوات أفريقية، بشرط ألا تكون من دول الجوار محل القوات الاثيوبية..

** ولا يجب أن يتوقف الدور المصري عند هذا الحد.