عبد الرحمن الراشد
لا يحتاج الأمر إلى نباهة عندما يسمع الفرد بأذنيه تعليلات صقر حركة حماس الفلسطينية خالد مشعل حول قبوله بدولة فلسطينية في حدود 1967، متنازلا عن كل فلسطين، ويسمع أيضا اعترافه بإسرائيل على ما تبقى من فلسطين القديمة. ولن يخفى على المتابع أن يلاحظ انه أعلنها في عاصمة الأمويين، دمشق، المدينة التي كانت لا تحتمل سماع شيء مما قاله، ولا تسمح به في مؤتمر معد سلفا على أرضها.
السؤال الصادم: ما الذي حدث وجعل مشعل يصبح صائب عريقات أو محمود عباس، يهرول باتجاه السلام الذي كان يقول إنه يفضل الموت على أن يقبل به؟
نحن نشهد وضعين جديدين محتملين، وواحد منهما يكفي لتحقيق هذا الانقلاب في الموقف. أولهما ما زعمه الإسرائيليون أن دمشق أبدت رغبة في التفاوض. والحقيقة أنها أبدت ذلك أيضا في أواخر التسعينات ثم صمتت عنه. ولو فعلت فانها قطعاً لن تفعلها وحيدة، خاصة أنها فقدت المسار اللبناني منذ انسحاب إسرائيل من جنوبه. أي أننا أمام تشكيل وحدة مسارين جديدة، فلسطيني سوري، بعد نهاية التنافس المشهور بين الجانبين في حياة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. والحدث الجديد الآخر المحتمل أن حماس أدركت أنها توشك على خسارة الحكم في فلسطين ما لم تتدارك أمرها بالتعامل مع الواقع الذي كانت ترفضه في الماضي. فحماس تعرف أنه لا معنى لكل هذه الحركة والنضال بدون أن تكون في المقدمة، وستخسر المقدمة إن أخرجت من الحكومة شعبيا، أو أقصيت بأمر من محمود عباس. فهي ستتحول من حكومة معزولة إلى منظمة مطاردة تدعي الشرعية المسلوبة، مثل كثير من الحكومات السابقة في المنطقة، ونحن نعرف جيدا أصول الحكم أيضا في منطقتنا، وهي أن الناس مع الشرعية حتى تسقط.
وأجزم أن الأمرين صحيحان، أي تبدل موقف دمشق من المواجهة إلى الرغبة في المفاوضة، وتفقه حماس في أصول الحكم عندما أوشكت على فقدان السلطة.
وكما سبق أن كتبت من قبل، فالتفاوض السوري مبرر بعد كل زمن المواجهة الطويل، كما ان قيادة حماس لمشروع الدولة الفلسطينية على تراب الضفة وغزة أيضا مطلوبة، أولا فلسطينيا، وثانيا من كل المنطقة. فنحن نعلم جيدا أن أحدا لا يستطيع أن يرمي الأصوليين بالتهم التي تعودوا على أن يسوقوها لخصومهم بالعمالة والفجور. ففتح فاوضت والشعبية شاركت ولن يزايد أحد على حماس.
وبدا واضحا أن مشعل عندما جمع الإعلاميين وقال أمام الملأ نعم، إنما أراد أن يحقق شرطا بالإعلان والصراحة من اجل إرضاء مستحقات أي تفاوض جاد. وهنا نقول لحماس، وكذلك سورية، ما تعلمانه جيدا: وهو أن أصعب شيء على النفس أن يعلن المرء تخليه عن مواقفه السابقة، لكن مبرراتهم مقنعة والجميع يتفهمون أن الحرب هدفها دائما السلام. إن أحدا لن يستنكر على دمشق أو حماس ذلك، بل إن الأغلبية في سورية ولبنان وفلسطين والأردن، أي الدول المصابة بالمأساة، ستكون مؤيدة لأنها تعلم أن سورية وحماس تمثلان أقصى الرفض، ولا يوجد للرافض منهما معسكر آخر يلجأ إليه.
التعليقات