رجاء النقاش
فيrlm;20rlm; فبراير سنةrlm;1910rlm; قام شاب مسلم متطرف هو إبراهيم ناصف الورداني باغتيال رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت بطرس غالي باشاrlm;,rlm; وقد اوشكت هذه الحادثة ان تشعل نيران فتنة طائفية بين المصريينrlm;,rlm; فالقاتل مسلم والقتيل قبطيrlm;,rlm; بل هو اكبر رأس بين الاقباط في ذلك الوقتrlm;,rlm; ولكن عددا من العقلاء وأهل الرأي بين الاقباط والمسلمين تداركوا الأمر واطفأوا نيران الفتنة ووضعوا حدا لأي خلاف مفتعل بين العنصرين اللذين يتكون منهما شعب مصرrlm;,rlm; وهما الاقباط والمسلمونrlm;,rlm; وهذا هو كاتب قبطي معروف هو نصيف المنقبادي يكتب مقالا يعلن فيه ان من الواضح الذي يمكننا ان نلمسه باليد ونراه بالعين ولا ينكره إلا الذين أعمي الجهل او سوء النية بصيرتهم ان الورداني لم يقتل بطرس غالي باشا لأنه قبطيrlm;,rlm; بل لأنه رئيس الوزارةrlm;,rlm; ولأنه ظن انه خان مصر وأوقع بها الضررrlm;,rlm; ولو كان محله مسلم وظن فيه هذا الظن لقتله ايضاrlm;.rlm;
هذا ما قاله قبطي مصري مستنير اراد ان يضع جريمة قتل بطرس غالي في حجمها الطبيعيrlm;,rlm; وأن يصفها بوصفها الصحيحrlm;,rlm; فهي ليست جريمة مسلم ضد قبطيrlm;,rlm; بل هي جريمة سياسية نشأت عن الاختلاف في الرأي وإحساس القاتل المتطرف وهو ابراهيم ناصف الوردانيrlm;,rlm; بأنه يقتل شخصا هو في نظره عدو للوطنrlm;,rlm; وانه من الذين يفرطون في مصالح البلادrlm;..rlm; وهذا ما قاله القاتل في التحقيق معه علي يد النائب العام آنذاك عبد الخالق ثروت باشاrlm;,rlm; حيث اخذ القاتل علي بطرس غالي انه كان رئيسا لمحكمة دنشواي التي حكمت بإعدام عدد من المصريين وسجن عدد آخر وجلد مجموعة ثالثة منهم كما أنه تعاون مع الانجليزفي اصدار قانون للمطبوعات يقيد الحرية ويسجن الصحفيينrlm;,rlm; وهو الذي قام بالتضييق علي الطلبة حتي لا يشتغلوا بالسياسة واخيرا فإنه ساند مشروع مد امتياز شركة قناة السويس الاجنبية الي سنةrlm;2008rlm; بدلا من ان ينتهي الامتياز سنةrlm;1968rlm; هذا ما قاله القاتل في التحقيق معهrlm;,rlm; وليس في اقواله شئ يتصل بديانة القتيل من قريب او بعيدrlm;,rlm; وقد حوكم الورداني وحكم عليه بالاعدام وتم تنفيذ الحكم فيهrlm;.rlm; وعلي الجانب الآخر بين المسلمين وفي هذه المحنة التي كادت تعصف بالوحدة الوطنيةrlm;.rlm; سارع بعض زعماء المسلمين الي عقد مؤتمر أسموه باسم المؤتمر الإسلاميrlm;,rlm; وانعقد هذا المؤتمر بالفعل يومrlm;29rlm; ابريل سنةrlm;1911,rlm; وظل المؤتمر منعقدا حتي يومrlm;4rlm; مايو سنةrlm;1911,rlm; وحول هذا المؤتمر يحدثنا الدكتور محمد محمد حسين في كتابهrlm;(rlm; الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصرrlm;)rlm; الجزء الأول ـ صفحةrlm;118rlm; فيقولrlm;:rlm; توجه رئيس المؤتمر مصطفي رياض باشا برجاء الي المجتمعين ان يحكموا بروح العدل وتأييد الروابط الوطنية في مداولاتهمrlm;,rlm; وان يكون التسامح المعروف عن الاسلام رائدهم فيما يقولونrlm;,rlm; وتلاه لطفي السيد بتلاوة تقرير اللجنة التحضيرية فأكد ان المؤتمر يبحث في المصلحة العامة وينظر في التوفيق بين العناصر المؤلفة للوحدة الوطنيةrlm;,rlm; واكد لطفي السيد ان الاقلية والاكثرية في الأمم لا تقوم علي اساس الدينrlm;,rlm; ولكنها تقوم علي أساس المذاهب السياسيةrlm;,rlm; وان الأمة تتألف كذلك من عناصر سياسيةrlm;,rlm; وأي مذهب من المذاهب السياسية اعتنقه افراد اكثر عددا وتأثيرا كان اكثريةrlm;,rlm; وكان الآخر أقلية وبذلك يمكن فهم الاكثرية والاقلية في كل أمة وليس للدين دخل في ذلكrlm;.rlm;وهكذا حسم لطفي السيد مسألة الاقلية والاكثرية ونفي تماما أن يكون الاقباط في مصر اقليةrlm;,rlm; فالأقلية والاكثرية لهما معني سياسي
وليس للدين علاقة بالأمرrlm;,rlm; والكل مواطنون متساوونrlm;,rlm; مسلمين كانوا او مسيحيينrlm;.rlm;
وفي هذا الاتجاه نحو تصحيح العلاقة بين المسلمين والاقباط وتوثيقها بروابط الوطنية الصحيحة نجد وجها قبطيا معروفا هو مرقص فهمي باشا يتحدث في خطاب له ألقاه في اجتماع عقده بعض الاقباط سنةrlm;1910rlm; في حديقة الأزبكيةrlm;,rlm; وفي هذا الخطاب يدافع مرقص فهمي عن المسلمين وينفي عنهم تهمة التعصب ضد الاقباطrlm;,rlm; مستنكرا كل الاستنكار اقوال الذين يتهمون طائفة من الأمةrlm;,rlm; هي طائفة المسلمينrlm;,rlm; بالاشتراك في اغتيال بطرس غاليrlm;,rlm; ويحصر عمل القاتل ابراهيم ناصف الورداني في شخصهrlm;,rlm; واكد مرقص فهمي في خطابه ان الجريمة التي راح ضحيتها رئيس الحكومة هي عمل يأسف له كل مصريrlm;,rlm; مسلما كان أو قبطياrlm;,rlm; وقال مرقص فهمي في خطابهrlm;(rlm; إن بلادنا هي بلاد الهدوء والسلامrlm;,rlm; وهي تدعونا الي السكينة والصفاء والوفاءrlm;,rlm; لذلك عاش المسلم أخـا للمسيحيrlm;,rlm; إذا حصل بينهما خلاف إنما يكون خلافا سريع الزوال لا يلبث ان ينقضيrlm;,rlm; وهذا التضامن هو روح الوطنيةrlm;,rlm; وروح كل اجتماعrlm;,rlm; فلا وطن بدونهrlm;,rlm; ولا مسلمين بدونهrlm;,rlm; ولا أقباط بدونهrlm;)rlm; تلك هي خلاصة كلمات مرقص فهمي باشا الواضحة المليئة بالصراحة والشجاعة والفهم الصحيح للعلاقة بين المسلمين والاقباطrlm;,rlm; ولم تذهب هذه الكلمات المضيئة دون تأثيرrlm;,rlm; فقد تجاوب معها شاعر مسلم معروف هو علي الغاياتيrlm;(1885rlm; ـrlm;1956)rlm; فكتب قصيدة تفيض بالاعجاب والتقدير لشخصية مرقص فهمي باشا ولأفكاره المنصفة الواعيةrlm;,rlm; حيث أكد مرقص فهمي ان جريمة الاغتيال كانت دوافعها سياسية ولا علاقة لها بالـدينrlm;,rlm; والذين يصورونها علي انها كانت جريمة ذات دوافع دينية يخطئون اشد الخطأrlm;.rlm;
وفي القصيدة التي كتبها علي الغاياتي يقول الشاعر المسلم موجها حديثه الي مرقص فهمي باشاrlm;:rlm; خطبت فلم تجنح الي شرعة الهوي
ولم تتخذ نهــج الخــلاف ســبيلا
وانصفت قوما أنت منهمrlm;,rlm; وإن عدا
عليهم جهـــولrlm;,rlm; او أعــان جهـــولاrlm;.rlm;
والقوم الذين يقصدهم الشاعر في البيت الثاني هم المصريونrlm;.rlm; ثم يتحدث الشاعر الغاياتي بعد ذلك حديثا صريحا عن العلاقة بين الاقباط والمسلمين فيقول والخطاب موجه الي مرقص فهمي باشا ايضاrlm;:rlm; فما أنت قبـطي يبيـع بــلاده
ويرضي بدين الجاهلين بديلا
وما أمة القرآن في مصر أمة
تري أمة الإنجيل أبغض جيلا
فإنا وأنتم إخــوة في بـلادنا
أقمـنا علي دين السـلام طويلا
فسر في سبيل الصدق يا خير قائل
اقـام علي صــدق الــولاء دليــلا
وهكذا جاءت تحية الشاعر المسلم علي الغاياتي للزعيم القبطي مرقص فهمي نوعا من المصافحة والاحتضان بين شخصيتين كريمتين تجمعهما الوطنية ولا يفرق بينهما الدينrlm;,rlm; فعلي الغاياتي صاحب الاتجاه الإسلامي المعروفrlm;,rlm; ومرقص فهمي أحد الوجوه القبطية اللامعة يدركان كل الادراك انه لا مصلحة للمصريين في الانقسام والافتراق علي اساس الدين وليس في الاسلام ولا المسيحية ما يبرر ذلكrlm;,rlm; والمصريون يعيشون منذ مئات السنين في سلام وتفاهمrlm;,rlm; وعندما يتعرضون لظلم حاكم من الحكام أو طاغية من الطغاة فقد كان المسلمون والاقباط يشربون من نفس الكأس ويعانون نفس المعاناة ويحسون بمرارة الحياة معاrlm;,rlm; والظالمون لا يفرقون بين مسلم وقبطي بل هم إنما يصبون مظالمهم علي الجميعrlm;;rlm; لأن ابناء مصر شركاء في ايام الرخاء وشركاء ايضا في ايام الشدةrlm;.rlm;
التعليقات