اندي رويل - سبن ووتش


السلام لا يأتي بسهولة الى أراضي الصومال المنبسطة القاحلة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تجرع اتحاد المحاكم الاسلامية، الذي كان قد بسط سيطرته على العاصمة مقديشو، مرارة الهزيمة الساحقة على أيدي القوات الاثيوبية. وكان الجيش وسلاح الجوّ الاثيوبيّان قد جاءا لإنقاذ الحكومة الانتقالية الصومالية الضعيفة، التي كانت قد حُشِرت في بلدة بيدوا غربي البلاد.

ويُنظَر الى هزيمة اتحاد المحاكم الاسلامية على نطاق واسع، وببساطة، على أنها أول نبذة من الأخبار السّارة في الصومال على مدى عشرين سنة. وعلى سبيل المثال، ذكرت صحيفة ldquo;التايمزrdquo; اللندنية، أن ldquo;الإطاحة الحاسمة بالمحاكم الاسلامية على أيدي القوات الاثيوبية، هي أول حفنة من أخبار الصومال التي يُحتمل ان تكون طيبة خلال عقدين من الزمن ساد فيهما الخراب والدمارrdquo;.

ويعتقد البعض بأن الاثيوبيين قد لعبوا دور القوة العميلة للولايات المتحدة. فقد قال وزير الاعلام الارتيري، علي أدْبو ان الصراع كان ldquo;حرباً بين الأمريكيين والشعب الصوماليrdquo;.

ونشهد الآن تدخّلاً دبلوماسياً، ومالياً، وعسكرياً أمريكياً متزايداً في الصومال. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على مدى سنوات، تدعم أمراء حرب مختلفين، على الرغم من أن العديد منهم ممقوت جدّاً على الصعيد الشعبي. ولكن ذلك لم يوقف اتحاد المحاكم الاسلامية عن السيطرة على مقديشو في يونيو/ حزيران من السنة الماضية. وفي سبتمبر/ أيلول، ظهرت أدلة على أنّ أمريكا كانت متورطة في عمليات المرتزقة غير الشرعية، لدعم الحكومة الفدرالية الانتقالية الضعيفة.

وتوحي أخبار تسرّبت عن اتصالات بين شركات عسكرية أمريكية خاصة، نشرتها صحيفة ldquo;اوبزرفرrdquo; البريطانية، بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، كانت تعلم بخطط للقيام بعمليات عسكرية سرّية داخل الصومال، وذلك شيء يناقض قرارات الأمم المتحدة. كما ألمحت تلك الأخبار الى تورط شركات أمنية بريطانية.

وفي وقت لاحق من تلك السنة، زار الجنرال جون أبي زيد، رئيس القيادة الأمريكية الوسطى، أديس أبابا لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء، ميلس زيناوي. وقيل إنهما تحدّثا عن إنقاذ الحكومة الانتقالية المحاصرة، بإرسال الجيش الاثيوبي الى الصومال. وبعد أن سيطرت القوات الاثيوبية على مقديشو، تم نشر القوات البحرية الأمريكية على شواطئ الصومال لمنع زعماء اتحاد المحاكم الاسلامية من الهرب.

وعندما أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، سين مككورماك، نبأ نشر سفن البحرية الأمريكية، قال: ldquo;سنكون معنيين بألا يُسمَح لأي من الزعماء الذين كانوا أعضاء في المحاكم الاسلامية، التي لها روابط مع منظمات ارهابية من بينها حركة القاعدة، بأن يهربوا ويغادروا الصومالrdquo;.

وأخيراً، شنّت الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا الأسبوع سلسلة من الغارات الجوية على جنوب الصومال. وتم ذلك بموافقة الحكومة الصومالية. وقال الرئيس عبد الله يوسف للصحافيين ان الولايات المتحدة ldquo;لها الحق في ان تقصف من يُشتَبه بأنهم ارهابيون، هاجموا سفارتيها في كينيا وتنزانياrdquo;. وقيل ان قوات خاصة أمريكية كانت ناشطة في المنطقة. ولم يكن ممكناً لمثل هذا النوع من المناورات العسكرية أن يكون ممكناً من دون التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة، والحكومتين الاثيوبية والصومالية.

ولكن هذا التدخل العسكري الأمريكي المباشر، يمكن ان يزعزع الاستقرار في جميع ارجاء القرن الافريقي. فهنالك من يرون ان المهازل الأخيرة في الصومال، مثال آخر على التدخل الأمريكي ضد دول اسلامية. يقول نيقولا ناصر، وهو صحافي عربي عريق يقيم في رام الله، ldquo;يرتبط الغزو الاثيوبي المدعوم من جانب الولايات المتحدة، ارتباطاً وثيقاً من حيث الدافع، والأساليب، والأهداف، والنتائج، بالتخبّطات الأمريكية الاقليمية الفادحة، في العراق، ولبنان وسوريا والسودان، كما في ايران وافغانستان، وبشكل رئيسي، في المناطق الفلسطينية المحتلة من قبل ldquo;اسرائيلrdquo;rdquo;. ويحاجج ناصر قائلاً: ldquo;ان تلك الأفعال تشكل رسالة أمريكية واضحة، مفادها انه لا توجد عاصمة عربية او اسلامية تتمتع بالحصانة، إذا لم تمْشِ في ركاب المصالح الأمريكية الحيوية في المنطقةrdquo;.

ويشهد تاريخ التدخل الأمريكي في الصومال، على أن الولايات المتحدة كانت تتدخل انطلاقاً من مصالحها وغاياتها، لا من أجل منفعة الشعب الصومالي. وفي حقيقة الأمر كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يعاملون الصوماليين بازدراء وقليل من الاهتمام برفاههم. وقد أمضيتُ قبل عشرين سنة، حين كنتُ خرّيجاً جديداً، ستة أشهر، وأنا أعمل مع اللاجئين في الصومال، كجزء من اتفاقية ثلاثية بين الأمم المتحدة، والحكومة الصومالية، ومنظمة غير حكومية. وفي ذلك الوقت، كانت شركة النفط الأمريكية أموكو، تنقب عن النفط في شمال الصومال وقبالة شواطئها.

وكان الخبراء الجيولوجيون التابعون للشركة يأملون في أن طبقات الأرض الغنية بالنفط في العربية السعودية واليمن، تنحني تحت البحر الأحمر عند عدن، وتظهر من جديد في الصومال. ولكنها ليست كذلك. ولو كانت كذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي في البلاد يعني ان الاستثمار فيها لن يأتي في وقت قريب.

إذا كانت الصومال لا تملك البترول، فليس لديها سوى القليل غيره ممّا يثير اهتمام المجتمع الدولي. ففي ثمانينات القرن الماضي، كانت الصادرات الرئيسية، البطيخ، والماعز والجِمال التي لا تحظى بقيمة تُذكر على أجندة الاهتمامات الدولية. وفي حقيقة الأمر، كانت الصومال في ذلك الوقت، كما هي الآن، اقتصاداً قائماً على المساعدات، تدعمه المنظمات الدولية المانحة. وفي ذلك الوقت أيضاً، كانت ببساطة، اقتصاداً لاجئاً.

وبعدما أطيح بحكومة الرئيس سياد برّي من قبل أمراء الحرب المنافسين سنة ،1991 تردّت الصومال في الحرب الأهلية. وقد تدخّل الأمريكيون بالفعل ضمن عملية عسكرية بتفويض من الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 1992 الى 4 مايو/ أيار، لمحاولة منع حدوث كارثة انسانية متفاقمة، بعد ان فعلت الحرب الأهلية فعلها. ولكن، بعد حادث الصقر الأسود، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للبلاد على الرغم من الأزمة الانسانية الجارية.

من المبكر جدّا معرفة ما سيحدث في الصومال. والدرس المستفاد من التاريخ هو أن أي تدخّل في البلاد لا يبشّر بالخير، لأن ذلك التدخل كان وما يزال يحدث بدوافع خفية، لا بدافع سعادة الشعب الصومالي ورفاهه. ولو ان الولايات المتحدة تدخلت مرةً واحدة من أجل فائدة الشعب، لا من أجل مصلحتها الذاتية السافرة، فقد يتمكن شعب القرن الافريقي في نهاية المطاف، من أن يبدأ الرحيل بسلام.