16 يناير 2007


إلين سيولينو

يوم الأحد الماضي، حصل وزير الداخلية الفرنسي quot;نيكولا ساركوزيquot; -بأغلبية ساحقة- على تزكية حزبه الحاكم للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة في أبريل، متعهداً بفرض القانون، واحترام التقاليد والأخلاق في الحياة العامة، وحث الفرنسيين على العمل أكثر وأطول. وقد سعى ساركوزي في خطاب دام ثمانين دقيقة بقاعة مؤتمرات احتضنت نحو 80000 من المؤيدين والأنصار إلى التخلص من صورة فارض النظام والقانون الذي لا يرحم الملتصقة به، مقدماً نفسه على أنه رجل رحيم، حيث قال من على منبر خشبي فسيح تظهر على خلفيته ألوان العلم الفرنسي الثلاثة: quot;لقد أدركت أن الإنسانية قوة، وليست ضعفاًquot;، مضيفاً quot;لقد تغيرتquot;.
وكان من الواضح أن رسالته ترمي إلى خطب ود الناخبين في quot;اليمينquot; الفرنسي، ربما أكثر حتى من أولئك في quot;وسط quot; أو quot;يسارquot; الطيف السياسي الفرنسي، والذين يمكن أن يؤيدوا منافسته الرئيسية، المرشحة الاشتراكية quot;سيجولين رويالquot;؛ حيث قال quot;ساركوزيquot; البالغ من العمر 51 عاماً quot;إن قيمي هي قيمكم، إنها قيم الجمهورية، قيم العدالة والنظام والجدارة والعمل والمسؤوليةquot;، مشدداً في الوقت نفسه على أنه ليس quot;محافظاًquot;، وداعٍ إلى التجديد ومحاربة اللامساواة.
كما أشار quot;ساركوزيquot; إلى الصور التقليدية لتاريخ فرنسا مثل الحروب الصليبية وعصر التنوير والكاتدرائيات وquot;جان داركquot;، غير أنه لم يقل إلا القليل مما قد يستحسنه ملايين المسلمين الفرنسيين. فبالرغم من النموذج الجمهوري الفرنسي الذي يتغاضى عن الاختلافات الدينية والعرقية، فإن quot;ساركوزيquot; أحدث قطيعة مع التقليد حين أشار إلى الفرنسيين باعتبارهم quot;ورثة 2000 عام من المسيحيةquot;. وفي إشارة مبطنة إلى مسلمي فرنسا الذين يقاومون النموذج الفرنسي القائم على الاندماج، قال إنه من غير المقبول أن quot;يرغب المرء في العيش في فرنسا من دون أن يحترم فرنسا ويحبها ويتعلم اللغة الفرنسيةquot;، متعهداً بالعمل على فرض احترام القوانين الفرنسية بخصوص تعدد الزوجات في حال انتُخب رئيساً للجمهورية.
وقد عقد quot;ساركوزيquot; مقارنة بين ما وصفه بـquot;الجمهورية الافتراضيةquot; لخصومه مع quot;الجمهورية الحقيقيةquot; التي يرغب في خلقها قائلاً إن الجمهورية الافتراضية quot;تدلل الناس كثيراً، ولكنها تترك بعضهم يموتون على الأرصفةquot; وتمنح المُضرِبين القوة وتلتمس الأعذار للمنحرفين؛ في حين ndash;يضيف ساركوزي- أن الجمهورية الحقيقية quot;تخلق مناصب العمل، وتبني المنازل، وتتيح للناس فرص كسب العيش، وتمنح فرصة للأطفال الفقراءquot;، وquot;تجعل الجميع يحترم القانونquot;. كما اعتبر أن نظام المزايا الاجتماعية المجزي في أزمة على اعتبار أنه لا يحث الناس على العمل طويلاً وبجد قائلاً: quot;إن المشكلة تكمن في أن فرنسا تعمل أقل في وقت يعمل فيه الآخرون أكثرquot;، مضيفاً quot;علينا أن نحب العمل وألا نكرههquot;.
quot;ساركوزيquot; أشار أيضاً إلى أصوله المهاجرة، واصفاً نفسه بـquot;الفرنسي الصغير ذي الأصول المختلطةquot;. ومما يذكر هنا أن والد quot;ساركوزيquot; أرستقراطي هنغاري، في حين أن والدته نصف يهودية.
ومما لاشك فيه أن خطاب quot;ساركوزيquot; سيكون محط انتقادات خصومه السياسيين على اعتبار أنه لم يسع إلى التصالح مع الجالية المسلمة الكبيرة في فرنسا والمهاجرين وشباب ضواحي المدن الفرنسية والعمال. وفي هذا السياق، يقول quot;دومينيك رينييquot;، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية في باريس: quot;لقد كان أداءً إيديولوجياً وصدامياً هدفه استمالة اليمينquot;، مضيفاً quot;لقد وقف ساركوزي موقفاً أكثر يمينية من شيراك أو ديستان أو بومبيدو. وعليه، فإن مواقفه المتشددة لن تخلق سوى المزيد من الانقسامات في بلادناquot;.
وإذا كانت المرشحة الاشتراكية للانتخابات الرئاسية quot;سيجولين رويالquot; قد امتنعت عن التعليق على ترشح quot;ساركوزيquot;؛ فإن المتحدث باسم الحزب الاشتراكي quot;جيليان دريquot;، صرّح بأن خطاب مرشح اليمين quot;مقلق للغايةquot; بالنسبة للفرنسيين، وبأنه يعكس عودة quot;اليمين الفرنسي العنيفquot;.
والواقع أن فوز quot;ساركوزيquot; بترشيح حزبه لم يكن في أي وقت من الأوقات موضوع شك بالرغم من غياب دعم الرئيس جاك شيراك وبعض المسؤولين الكبار في الحكومة له. فقد أحكم quot;ساركوزيquot;، الذي يعد أيضاً زعيم الحزب الذي ينتمي إليه شيراك، quot;الاتحاد من أجل الحركة الشعبيةquot;، قبضته على أجهزة الحزب فكان المترشح الوحيد؛ وقد فاز بـ98.1 في المئة من الأصوات بعد مشاركة نحو 70 في المئة من أعضاء الحزب المسجلين.
غير أن انتصار quot;ساركوزيquot; السياسي يوم الأحد تأثر مع ذلك بانقسامٍ داخل حزبه كان يهدد بحرمانه من تأييد كبير في مواجهة كل من quot;رويالquot; وquot;الجبهة الوطنيةquot; اليمينية المتطرفة في انتخابات هذا الربيع. ذلك أن شيراك وساركوزي لم يخفيا توجسهما وكرههما المتبادل؛ ونتيجة لذلك، يرى بعض مؤيدي quot;ساركوزيquot; أن شيراك سيلعب دور المخرب ويفعل ما في وسعه لمنع وصول quot;ساركوزيquot; لرئاسة الجمهورية. والأسبوع الماضي، قال شيراك، الذي يبلغ 74 عاماً ويوجد في السلطة منذ 12 عاماً، إنه لا يستبعد الترشح لولاية ثالثة كمستقل. ومما يذكر هنا أن شيراك لم يحضر حفل ترشح quot;ساركوزيquot; يوم الأحد.
ومن جانبهما، امتنع رئيس الوزراء quot;دومينيك دوفيلبانquot; ورئيس الجمعية العامة quot;جون لوي ديبريquot;، وكلاهما من الموالين لشيراك، حتى الآن عن دعم ترشح quot;ساركوزيquot;؛ إلا أن هذا الأخير فاز بدعم رئيسيْ وزراء سابقين في عهد شيراك هما quot;ألان جيبيquot; وquot;جان بيير رافارانquot;. كما أعربت وزيرة الدفاع quot;ميشيل أليو ماريquot;، التي كانت تفكر في الترشح هي نفسها، عن دعمها لساركوزي يوم الجمعة.
وكان معهد quot;إيفوبquot; لاستطلاعات الرأي أعلن قبل أسبوع أن 81 في المئة من الناخبين الفرنسيين قالوا إنهم لا يرغبون في أن يترشح شيراك للانتخابات المقبلة، معربين عن قلقهم من أن يتسبب ذلك في انقسام في وسط quot;اليمينquot; الفرنسي في الجولة الأولى من الانتخابات في أبريل. كما أوضحت استطلاعات الرأي الأخرى أن quot;ساركوزيquot; هو المرشح الوحيد القادر على التغلب على quot;رويالquot;. وفي هذا الإطار، توقعت نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة quot;إيبسوسquot; وأُعلنت نتائجه الأسبوع الماضي أن يكون المرشحان متقاربين جداً في حال تواجها في جولة ثانية من التصويت في مايو المقبل.

إيلين سيولينو
مراسلة quot;نيويورك تايمزquot; في باريس