16 يناير 2007
جيروم شاهين
تشكّل الهجرة اليوم، أكانت هجرة مشروعة أم غير مشروعة، مشكلة تعانيها على السواء الدول المستقبلة للمهاجرين (دول الشمال) والدول المصدّرة للمهاجرين (دول الجنوب).
دول الشمال، من جهة، وبسبب الهرم المتزايد والمتسارع الذي يصيب المجتمعات الغربية، ومعدّلات الإنجاب المتدنّية، وإرادة تلك المجتمعات في الحفاظ على مستوى اقتصادها إنتاجاً واستهلاكاً وتصديراً، تجد هذه المجتمعات نفسها مضطرّرة الى استقبال المزيد من العمّال الأجانب. ومن جهة ثانية، لم تتوصل تلك المجتمعات الى دمج المهاجرين فيها، الأمر الذي يجعل وجودهم وتكاثرهم مشكلة اجتماعية وقنبلة شغب واضطرابات موقوتة باستمرار.
أما دول الجنوب، فهجرة مواطنيها المتزايدة بوتيرة سريعة تنمّ عن سوء حال تلك الدول، اقتصادياً خاصة واجتماعياً.
ولقد أشار تقرير أنجزه فريق العمل المختص ببحث النموّ السكاني العالمي، في منظمة الأمم المتحدة، الى أنه، حتى العام 2025، يقتضي، للاحتفاظ بالتوازن ما بين الباقين في سنّ العمل والمحالين على التقاعد، استقبال 159 مليون مهاجر الى دول المجموعة الأوروبية. كما تضطر الولايات المتحدة الأميركية الى استخدام 150 مليون عامل في الفترة نفسها.
الهجرة كانت قائمة في كل الحقبات والعصور. لكنها، ومنذ الثلث الأول من القرن الماضي اتخذت أشكالاً وأبعاداً جديدة. فالموجة الأولى ترافقت مع الحربين العالميتين حيث استقدم الأوروبيون قسرياً شباناً من مستعمراتهم لتجنيدهم. والموجة الثانية، كانت غير قسرية حيث استقدم الأوروبيون، بعد الحربين العالميتين، ما يزيد على أحد عشر مليوناً من العمال الأجانب المهاجرين، لإعادة بناء أوروبا. لكن، مع حلول عام 1975 وانتهاء الفترة الذهبية لمعدلات النمو في أوروبا، فإننا نجد أن أوروبا قد اتّجهت للحد من الهجرة العربية إليها. ومن هنا، تتحوّل الهجرة، جزئياً، من هجرة مشروعة الى هجرة غير مشروعة.
وبصرف النظر عن موجات الهجرة الى أوروبا وأميركا وأستراليا وكندا، هناك موجات هجرة تنطلق من بعض الدول العربية الى بعض بلدان إفريقيا، وإلى بلدان الخليج العربي.
سنسلّط الضوء هنا على ما يمكن تسميته quot;مواسم الهجرة الى الخليجquot;، انطلاقاً مما نشهده في هذه الأيام من نزوح لبناني كثيف الى تلك البلدان بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان وتداعياتها والأزمة القائمة حالياً.
الهجرة التي انطلقت الى مجتمعات الخليج واستمرت لثلاثة عقود تقريباً بمعدلات عالية، كانت في بداية السبعينات، ثم بدأت تنخفض معدلاتها بصورة واضحة مع نهاية الألفية الثانية، وتحوّل بعضها الى هجرة غير مشروعة بعد ذلك، بسبب ضغط المهاجرين من أجل الدخول، مع عدم حاجة مجتمعات الخليج الى هذه الهجرة لامتلاكها الكوادر الوطنية المؤهّلة. وقد أوضح تقرير منظمة العمل العربية (نشر في العام 2004) أن حجم السكان الوافدين الى دول مجلس التعاون الخليجي وصل الى 15.5% مليون نسمة بما يعادل 38.5% من مجموع السكان، أكثر من نصفهم من الدول الآسيوية. كما أظهر التقرير ذاته أن المملكة العربية السعودية تأتي في مقدمة الدول الخليجية المستقبِلة للوافدين من حيث الحجم، حيث يوجد فيها قرابة سبعة ملايين وافد يمثلون 30% من السكان، بينما يوجد بدولة الإمارات العربية أعلى نسبة للوافدين الذين تصل نسبتهم الى 80% من مجموع السكان، كما يوجد بالكويت مليون و475 ألف وافد يمثلون 63% من مجموع السكان، وفي قطر 420 ألف وافد يمثلون 72% من مجموع السكان، وفي سلطنة عمان 630 ألف وافد يمثلون 26% من مجموع السكان، وفي البحرين 26% من مجموع السكان.
وقد ساعد على نمو الهجرة بمعدلات عالية وجود مجتمعات الخليج التي تمتلك ثروات هائلة كعائدات بترولية مقابل مجتمعات تتميّز بكثافة سكانية عالية وتعيش في مستويات اجتماعية اقتصادية متدنيّة كالهند وباكستان وإيران وبلاد الشام واليمن ومصر. الأمر الذي أدى الى انطلاق موجات الهجرة من هذه المجتمعات المحيطة بفعل عوامل طاردة الى مجتمعات الخليج التي توجد فيها عوامل جاذبة عديدة.
وإذا نظرنا الى توزيع المهاجرين قياساً الى الجنسية فسوف نجد أن الهنود يشكّلون أكبر مجموعة من المهاجرين في منطقة الخليج، حيث يصل عددهم الى نحو 3.2 ملايين نسمة، ويصل عدد الباكستانيين الى 1.2 مليون نسمة، ويصل عدد العمالة الوافدة من بنغلادش الى 827.000 نسمة ومن الفيليبين نحو 829.000 نسمة، ومن سريلانكا نحو 582.000 نسمة هذا عدا عن الوافدين من الأردن واليمن وإيران وسوريا ولبنان.
من جهة أخرى، فإن كل جالية من جاليات العمالة الوافدة تقوم في الغالب بوظيفة محددة. فمثلاً نجد أن غالبية الأعمال المنزلية والخدمات تقوم بها العمالة الآسيوية في الغالب، بينما توجد العمالة المصرية في الأعمال المهنية بالأساس وبكثافة، في حين تتواجد العمالة الشامية والإيرانية بكثافة عالية في القطاع التجاري والعمل الحر بينما جنّدت عناصر المهن العليا في المجتمع كوظائف التدريس بالجامعة وكبار الأطباء والمهندسين، من أبناء الجاليات المختلفة، خصوصاً الجالية المصرية والهندية. ولا تخشى مجتمعات الخليج على بنيتها السكانية من العمالة الوافدة، وذلك لأن هذه العمالة تعمل بعقود عمل موقتة ولمدة محددة، ونادراً للغاية أن يحدث تجنيس لبعض عناصرها. ولذلك نجد أنه بعد أن امتلكت مجتمعات الخليج القوى البشرية المؤهلة لتحمل أعباء التنمية بدأت الاتجاهات نحو الاستغناء عن العمالة الوافدة.
إلا أن مواسم الهجرة الى الخليج تبقى ثمارها طيّبة على البلدان المستقبِلة كما على البلدان المصدِّرة، بينما مواسم الهجرة الى الشمال مهما أتت من الثمار فالتغريب يبقى محصّلتها النهائية.
التعليقات