جاي دي جونكيير ـ فاينانشال تايمز

عن الإقتصادية

هل آن الأوان لإعادة تاكسين شيناواترا إلى السلطة؟ بصفتي أحد الذين أفزعتهم الأساليب والمؤامرات عديمة الرحمة والاستبدادية التي كان يتبعها رئيس وزراء تايلاند السابق، لم أفكر مطلقاً في أن أطرح مثل هذا السؤال. لكن لأنه أقصي بانقلاب عسكري في أيلول (سبتمبر)، فإن النظام الذي أطاحه جاء بما جعل سجله يبدو أقل سوءاً بعض الشيء.
أولاً، تخبط النظام في فرض الضوابط الخاصة بصرف العملة واضطر إلى التراجع. ثم اهتزت بانكوك من تفجيرات القنابل، التي قال الجنرالات إنهم يجهلون مصدرها. وفي الوقت نفسه، فإن لجوءهم للاكتفاء بقول quot;نأسفquot; للمواطنين جنوبي تايلاند، الذين تعرضوا لحملات وحشية متكررة باسم قمع العصيان الإسلامي، أخفقت في تهدئة الأوضاع هناك.
ربما يستطيع المرء إيجاد العذر للعسكر في عدم معرفتهم الشؤون المالية. لكن الفشل في تطبيق القانون والنظام أمر آخر. أليس ذلك هو العمل الذي يتقاضون رواتبهم من أجل القيام به؟ الجنرالات كانت تنقصهم الفاعلية بالقدر نفسه حتى الآن في الوفاء بالتعهدات التي قطعوها في السابق باستئصال الفساد وكتابة دستور جديد - هو الثامن عشر خلال 35 عاماً - قبل إجراء الانتخابات في وقت لاحق هذا العام.
والآن هناك علامات متزايدة على وجود استياء في صفوفهم. فالتفجيرات ndash; التي حاول العسكر على نحو غير مقنع إلصاقها بحلفاء تاكسين ndash; يقول البعض إنها من فعل ضباط حرموا من المناصب العليا بعد الانقلاب.
وحتى الآن ظل اقتصاد تايلاند يواصل التحرك ببطء، يساعده في ذلك ارتفاع الصادرات. لكن المزيد من التخبط من شأنه أن يقضي على ثقة قطاع الأعمال. وستنحسر الثقة بسرعة إذا أدت المراجعة التي تجري بطريقة خرقاء لقوانين التملك من قبل الأجانب ـ التي تستهدف عمليات التلاعب المالي الذي قامت به عائلة تاكسين ndash; إلى وقف تدفقات الاستثمارات إلى الداخل.
وأصبح من الواضح على نحو متزايد أن القادة الجدد لتايلاند لا يتسمون فقط ببطء الحركة سياسياً واقتصادياً، وإنما استولوا على السلطة دون أن تكون لديهم أجندة واضحة أبعد من إلحاق الخزي بتاكسين وتقطيع أوصال حزبه quot;ثاي راك ثايquot;. وحتى هذه المهمة لم يتم إنجازها بعد. فرئيس الوزراء السابق ربما يكون في المنفى، لكن ظلاله الكثيفة موجودة في شؤون البلاد، مثل شبح صامت تظهر منه أجنحته فقط.
وكل ذلك ربما يكون أمراً هزلياً بعض الشيء لولا الحقيقة المتمثلة في أن تاكسين يظل، من حيث الواقع، البديل الوحيد للحكم العسكري. ولا نريد بذلك تبرير التجاوزات الكثيرة التي ارتكبها. فقد تعهد بأن يدير تايلاند مثلما يفعل الرئيس التنفيذي للشركة، ونفذ ذلك بالفعل على غرار ما فعل سلفيو بيرلكسوني في إيطاليا؛ حيث قام بتخريب مؤسسات البلاد الهشة الناشئة وأحدث الفرقة والشتات بين الناس؛ ومارس المحسوبية على نطاق كبير؛ وكان يتبجح ويتباهى بتعظيم وتبجيل نفسه، وهو سلوك غريب على الطبيعة المحافظة لمواطني البلاد العاديين. وكان أول سياسي تايلاندي يطبق الأساليب الحديثة في التسويق ووسائل الإعلام العامة في خوض الانتخابات، إذ تمكن من تحقيق فوز كبير مرتين متتاليتين. وكان أول من أسس قاعدة للسلطة الوطنية وسط الفقراء في الأرياف، الذين تم إهمالهم طويلاً من قبل النخب السياسية. وتمكن من كسب ولائهم من خلال توزيع الهبات عليهم، لكن كذلك من خلال إجراءات لاقت الاستحسان مثل توفير السكن والرعاية الصحية لهم بأسعار رخيصة.
الخطأ الذي ارتكبه تاكسين هو تجاهله لأفراد الطبقة الوسطى الذين يتمتعون بوضع مريح، لكنهم ليسوا في عداد أصحاب الثراء العريض في بانكوك، الذين لم يجنوا مكاسب تذكر من سياساته. فاستهجانهم لأخلاقياته التي كانت محل شكوك جعلتهم يميلون نحو الجنرالات. لكن بعد أربعة أشهر تحت حكامهم الجدد، يتساءل الكثيرون عن مدى صحة الموقف الذي اختاروه.
إن تسامح الطبقة الوسطى في المدن، التي يفترض أنها معقل الديمقراطية، مع إسقاط الديمقراطية هو دليل دامغ على عقم السياسات التايلاندية. فالحزب الديمقراطي وهو الحزب الرئيسي الآخر، لديه عدد قليل من المؤيدين خارج العاصمة وأجزاء من الجنوب، وكان منذ مدة طويلة يعاني من انشقاقات لا أمل في معالجتها. وحتى المؤيدين للحزب ينتابهم الشك في الفوز ضد آلة تاكسين الانتخابية.
إذن، السؤال ليس هل ينبغي أن يعود تاكسين إلى السلطة أم لا، وإنما كيف يمكن تفادي ذلك؟ وكلما طالت المدة وظل هذا السؤال دون إجابة، كلما ازداد الخطر من أن العسكر سيتخلون عن وعودهم بإعادة الديمقراطية بشكل كامل. وهناك أصلاً حديث عن تعيين رئيس وزراء، حتى إذا تم إجراء انتخابات حرة، بينما استغل المتشددون التفجيرات للضغط على النظام من أجل اتخاذ إجراءات أشد.
جنرالات تايلاند أثبتوا عدم كفاءتهم. فاللجوء إلى التعسف من شأنه أن يضاعف المشكلات. ومع ذلك ربما قدموا من غير قصد خدمة للعديد من النظم الديمقراطية الفتية المهزوزة في آسيا، من خلال إظهارهم مرة أخرى أن الحكم العسكري ليس هو الحل لسوء الحكم المدني.
ومعظم دول آسيا تعلم ذلك سلفاً، وهذا هو السبب الذي حدا بها لإسقاط الديكتاتوريات العسكرية التي كانت في يوم من الأيام ظاهرة عامة في كل المنطقة. وانقلاب تايلاند يبدو مثل انتكاسة، فهناك تهديد أكبر مرتقب للاستقرار الإقليمي يأتي من الجمع بين النخب السياسية المعزولة وبين التوترات التي يخلقها النمو السريع غير المنتظم. وعندما يزداد التفاوت في الدخل ويصبح غير متناسب مع الفرص الاقتصادية وتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في المدن، إضافة إلى اتساع الفجوة بينهم وبين الريف، فإن الاستياء والحسد يترعرعان.
وهذه الظروف موجودة في العديد من أجزاء آسيا، وهي تربة خصبة للغوغائيين الذين يظهرون أنفسهم مناصرين للفقراء، والذين لديهم براعة في تشكيل الرأي العام حسب أهوائهم، وهم يدعون أن تفويضهم الشعبي ورسالتهم السياسية تضعهم فوق القانون. وقدم تاكسين كل تلك الأشياء، وسواء عاد أم لا، من المؤكد أن الخطورة في استشراء نهجه السياسي ربما تكون أكبر من التهديد المتمثل في استيلاء رجال يرتدون الزي العسكري على السلطة.