27 يناير 2007


أنقرة ـ حسني محلي

بعد مناقشته برلمان كردستان العراق الثلاثاء في جلسة طارئة وسرية تطورات الوضع في العراق، ومجمل المخططات التركية لمواجهة التطورات المحتملة في العراق وانعكاساتها على تركيا والجوار لم تخف أنقرة قلقها من احتمالات تصعيد المواجهات الطائفية المسلحة، لما لذلك من تأثير مباشر على الحسابات الخاصة بالعراق والمنطقة لأن إيران الجار المهم لتركيا طرف اساسي في هذه المواجهات التي ستؤثر ايضا في التركمان الموالين لتركيا قوميا ونصفهم مذهبيا لإيران.

وهو ما يزيد من الامور تعقيدا بالنسبة لمشكلة كركوك ويقول الأتراك ان الأكراد ومنذ ان سيطروا عليها في نيسان / ابريل 2003 نقلوا اليها عشرات وربما مئات الالاف من الأكراد بهدف تغيير الواقع السكاني فيها قبل الاستفتاء الخاص بتقرير مصيرها وفقا للمادة 140 من الدستور العراقي بهدف ضمها لإقليم كردستان. ويرى المسؤولون الأتراك في هذه المساعي الكردية خطرا ليس على مستقبل العراق فحسب بل على المنطقة عموما باعتبار ان ضم كركوك لإقليم كردستان سيستفز المشاعر القومية للأكراد ويشجعهم على مزيد من العمل من اجل اعلان الدولة الكردية المستقلة بعد سيطرتهم على منابع النفط في المدينة.

ودون ان يخطر على بال المسؤولين الأتراك ان انقرة هي السبب في الوضع للحالي للأكراد لأنها استضافت منذ عام 1991 قوات التحالف الدولي لحماية الأكراد شمال الخط 36. وتعاونت تارة مع مسعود البرزاني وتارة مع جلال الطلباني لمقاتلة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي الموجودين شمال العراق وقدمت بالمقابل للزعيمين المذكورين الكثير من المساعدات والدعم السياسي والمالي والعسكري.

في الوقت الذي تنفذ فيه المئات من الشركات التركية الآن ومنذ الاحتلال الامريكي للعراق عشرات المشاريع الانمائية في كردستان العراق كما تغطي الشركات التركية 90% من احتياجات الأكراد من مجمل المواد الاستهلاكية بما فيها الكهرباء ومياه الشرب والبنزين. وحرصت حكومة العدالة والتنمية خلال السنوات الاربع الماضية على علاقاتها مع القيادات الكردية وتهربت من اي تصعيد معها على الرغم من تصريحات المسؤولين بين الحين والحين حول مساعي الأكراد للسيطرة كركوك أو رفضهم التنسيق والتعاون مع تركيا في حربها ضد عناصر الكردستاني التركي الموجودين شمال العراق برضى وحماية الجيش الامريكي وقوات البشمركة الكردية العراقية. حيث يؤكد الزعماء الأكراد العراقيون ضرورة حل المشكلة الكردية داخل تركيا كشرط اساسي لإقناع العناصر المذكورة بالعودة الى تركيا بعد اصدار عفو عام وشامل وغير مشروط عليهم. وهو ما يرفضه المسؤولون الأتراك تحت ضغط الرأي العام التركي وخاصة القومي منه والذي بات يكن مشاعر عدائية للأكراد عموما بسبب تحالفهم مع الاحتلال الامريكي الذي دمر العراق وأشعل نار الفتنة الطائفية.

وهو ما يفسر التهديدات التركية الاخيرة بالقيام بعمل عسكري ما ضد عناصر الكردستاني التركي شمال العراق او لإثبات اصرار انقرة على التدخل حين اللزوم لحماية التركمان في كركوك والعراق عموما. ودون ان تهمل انقرة حوارها الإقليمي لمنع الأكراد من السيطرة على كركوك بتأجيل الاستفتاء وتشكيل لجنة اقليمية او دولية لمعالجة الوضع في المدينة وبالتنسيق والتعاون مع الحكومة العراقية باطرافها السياسية والمذهبية والعرقية المختلفة. فيما يستمر النقاش في الاوساط السياسية والاعلامية حول الخطوات المحتملة التي قد تلقيها انقرة عسكريا في العراق ومنها اجتياح المناطق الحدودية لاستهداف مخيمات ومراكز حزب العمال الكردستاني التركي برا وجوا والبقاء في المنطقة حتى التأكد من القضاء على عناصر الحزب المذكور ومنعهم من اي عمل مسلح ضد تركيا عبر الحدود المشتركة. ويعتبر البعض من المسؤولين الأتراك هذا التدخل اشارة كافية بالنسبة للأكراد العراقيين الذين لا ولن يريدوا ان يخسروا تركيا التي رجحوها دائما على إيران وسوريا.

وهذا ما يفسر رد الفعل الكردي على الموقف التركي حيث رد المسؤولون الأكراد على التهديدات بالمثل ولكن بلهجة حرصت على التذكير بأهمية تركيا بالنسبة للأكراد وكردستان المجاورة لتركيا بامتداداتها الكردية حيث يعيش في تركيا حوالي 12 مليون كردي وهو ما يعادل عدد كل الأكراد في العراق وإيران وسوريا والخارج.