تركي السديري


في ذلك الزمان الذي كنا نعتقد فيه أن العالم قد قارب على نهايته خوفاً من اصطدام العملاقين النووين، وكانت أمريكا تتوسط حاملات طائراتها وصواريخها البحار والمحيطات وتبني أسوار تحالفات عسكرية تحيط بالحاضن النووي للشيوعية.. خرجت موسكو بواسطة الناس وليس حاملات الصواريخ والطائرات لكي توجد شيوعية أفريقية وأخرى عربية وثالثة آسيوية.. بل أصبحت قريباً من أكتاف أمريكا الناعمة في كوبا.. واكتسب تشي جيفارا نجومية لم تحصل عليها فاتنات هوليود ولا مارلون براندو وكلارك جيبل عندما وضع الشباب والشابات صوره على أكتافهم حيث أخذ يتنقل في دول أمريكا اللاتينية مختلفاً مع كاسترو بإعلان أن الشيوعية ثورة عالمية وأنه يجب تخليص حقوق الفقراء من قبضة حسابات الأغنياء..

لم يكن الناس يخافون ما يفعله باتريس لومومبا أو إلى أين ستنتهي الكونغو على يد موبوتو.. وكيف تحولت أديس أبابا من حصن تاريخي لمسيحية آفلة إلى قلعة اشتراكية جديدة؟.. رغم أن تكاليف تمثال الزعيم فاقت قدرات الدولة الناشئة.. لم يفكر وقتها أحد أين سيتم القذف بإسرائيل داخل البحر.. على أي شاطئ.. لو كان ذلك الادعاء صحيحاً.. لم يخف كثيرون إعجابهم كيف حاصرت موسكو أوروبا الغربية بشيوعية يوغوسلافيا مثلما ترعرعت هافانا بجوار فلوريدا.. كان أعضاء اللجنة المركزية يبتلعون كافيار البالوجا هادئين ومؤكدين أن سيجار كوبا هو الأفضل فيما كان الأمريكيون يضاعفون البراهين على خطورة تدخين السيجار فيما كانوا يحصلون على البلايين من تجارة السجائر..

وقتها كان الخوف أن يتقاتل الكبار.. أن يودي السلاح النووي بالحياة البشرية لكن ذلك لم يحدث.. الكل له حساباته.. مقاييسه الدقيقة.. كان بين واشنطن وموسكو ماراثون مرهق لكنه مرهون بخطوط حمراء لا يصح تجاوزها.. اقتصادياً انتصرت واشنطن..

هنا دعونا نتصور لو كان مسلحو لبنان الطائفيون في موقع قادة موسكو.. هل كان يمكن أن يلغوا أهمية تفوق السلاح على أهمية الاقتصاد؟.. هل كانوا سيضعون السلاح جانباً دونما أي اعتبار لتفوقاته ويقررون بعقل وحكمة إعادة بناء روسيا الشابة من خلال إعادة بناء لاقتصاد محلي يجدد حياة المواطن ويحوله من مجرد عسكري أو آلة إلى مشارك جهد وعقل في بناء وطن..

كان الروس يملكون قوة المواجهة عسكرياً لكن على حساب حياة مواطنهم بشكل قاطع.. فقرروا العودة من جديد لصنع روسيا جديدة.. في لبنان وعند قادة السلاح المذهبي يرونها خسارة كبيرة لو تخلوا عن قدرتهم العسكرية مقابل إعادة بناء لبنان جديد ليس له أكثر من جيش..

أليس من المخجل أن تُبذل محاولات مستميتة كي يفشل مؤتمر باريس 3؟.. وأن تكون هناك رؤية كراهية لمبلغ سبعة بلايين وأكثر من الدولارات كما لو كانت ثمناً لسلاح موت يواجههم بينما هي إمكانيات تحويل لاقتصاد ذبحته الانحيازات وأطماع السيادة بالقوة..