30 يناير 2007

بيتر جرير

لا تواجه الولايات المتحدة الأميركية حرباً على جبهتين، على وجه الدقة، غير أن الاستراتيجية الجديدة التي تبنتها quot;البنتاجونquot; في العراق، قد تزامنت مع تصعيد إدارة بوش لضغوطها السياسية والعسكرية على إيران. والمقصود من هذه الضغوط، التصدي للتدخلات الإيرانية في العراق، وكذلك لحث النظام الإيراني الحاكم، على التفكير ملياً في عواقب التمادي في تكثيف وتطوير البرنامج النووي على بلادهم. ذلك هو ما أوضحه مسؤولون في البيت الأبيض، أكدوا أن الأسابيع القليلة المقبلة، سوف تشهد تحركات أميركية لاحقة في هذا الاتجاه. غير أن هناك من المراقبين، من يرى أنه لم يعد واضحاً بعد، ما إذا كان هذا التصعيد الأميركي، سوف يكون له عائد سياسي أمني أكبر من تكلفته. والسبب ndash;كما يراه الخبراء- هو أن أي اعتداء أميركي مباشر على مصالح إيران أو عملائها، سوف يدفع بها إلى مضاعفة تأييدها الحالي للمليشيات الشيعية في العراق. بل وليس مستبعداً أن تلجأ طهران في مثل هذه الحالة، إلى تطويق القوات الأميركية ومحاصرتها، عن طريق إثارة قلاقل وفتح جبهة أخرى لها. وعلى حد قول quot;ريتشارد هاسquot;، فإن في وسع طهران العمل والتأثير خارج حدودها وعلى امتداد المنطقة بأسرها، بالنظر إلى علاقاتها مع بعض المنظمات والجهات مثل quot;حزب اللهquot; وحركة quot;حماسquot;. جاء ذلك في تعليقات لـquot;هاسquot;، أعدها ضمن خطاب ألقاه أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، في الأسبوع الماضي.
وجاء آخر تحرك في مباراة الشطرنج الحامية الوطيس، الجارية الآن بين واشنطن وطهران، عندما دافع بوش عن الإجراءات الجديدة المعلنة بحق من أسماهم بعملاء إيران في العراق، بقوله إن ذلك يعد إجراءً حاسماً من أجل الدفاع عن أمن وحياة الجنود الأميركيين المرابطين في بلاد الرافدين. وكما هو معلوم فقد منح الجنود الأميركيون هناك، تفويضاً يقضي بقتل واعتقال الإيرانيين متى كان ذلك ضرورياً. يذكر أن هذه السياسة الجديدة قد نشرت صحيفة quot;واشنطن بوستquot; أول تقرير إخباري عنها في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي. وعقب اجتماع مشترك بينه وكبار القادة العسكريين، عقد في البيت الأبيض، قال بوش:quot;إذا حاول أحد إيذاء قواتنا، أو سعى لعرقلة وصولنا للأهداف التي ننشدها، فإن علينا إيقافهquot;.
يذكر أن القلق ظل يساور المسؤولين الأميركيين منذ مدة طويلة، من أن يكون quot;عملاء إيرانquot; قد تورطوا بتوفير القنابل المتقدمة الذكية للمقاتلين الشيعة، ولعل ذلك هو ما جعل الانفجارات الجانبية في الطرق العراقية، أكثر دموية وحصداً لأرواح الجنود الأميركيين. وفي خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان قد جرى اعتقال عدد من الإيرانيين والتحقيق معهم، قبل إطلاق سراحهم. غير أن سياسة الاعتقال وإطلاق السراح هذه، ربما تكون قد أصبحت من صفحات الماضي الآن. فقد أعلن quot;روبرت جيتسquot;، وزير الدفاع الأميركي الجديد الأسبوع الماضي: إذا ما كنت في العراق، وأردت قتل أحد من جنودنا، فإن عليك أن تعتبر نفسك هدفاً لنا. جاء ذلك في معرض رد له على سؤال صحفي حول السياسات تجاه إيران.
وفي غضون ذلك، أرسلت القوات الأميركية مجموعة حاملة طائرات ثانية إلى منطقة الخليج العربي، في إشارة واضحة لاعتزام واشنطن توجيه ضربات جوية للأهداف الإيرانية، فيما إذا اقتضت الضرورة. وفي الوقت ذاته، صعدت واشنطن ضغوطها على البنوك والمؤسسات المالية الدولية، بهدف قطع هذه المؤسسات لعلاقاتها المالية مع طهران. وأردفت تلك الضغوط بتحذير وجهته إلى البنوك والمؤسسات المالية المشار إليها، بأنها تخاطر بوقف معاملاتها مع الأسواق المالية الأميركية، ما لم تقطع علاقاتها المالية مع طهران.
وبالطبع فإن الهدف الأميركي، لا يقتصر على وقف الدعم الذي تقدمه طهران للمليشيات الشيعية في العراق فحسب. ذلك أن طهران لا تزال تواصل تطوير برنامجها النووي. وليس أدل على ذلك من تصريح مشرع إيراني بارز، هو quot;علاء الدين بوروجيرديquot; يوم السبت الماضي، جاء فيه أن بلاده تعمل حالياً على إنشاء مجموعة 3000 جهاز من أجهزة الطرد المركزي، في أحد معامل تخصيب اليورانيوم. وفيما لو صح هذا القول، فإنه يعد بمثابة صفعة قوية للمجتمع الدولي، الذي لا يزال يواصل جهوده الهادفة إلى تجميد البرنامج النووي الإيراني، المتنازع عليه. لكن وعلى أية حال، فقد صرح مسؤول إيراني رفيع في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، نافياً أن يكون قد تم إنشاء أي أجهزة جديدة للطرد المركزي في quot;ناتانزquot; في إشارة منه إلى المرفق النووي الرئيسي الإيراني. غير أنه وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، فإنه لم تحل معضلة التضارب في تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول التطورات الجديدة في البرنامج النووي لبلادهم.
على أنه ليس مستبعداً أن تكون إيران منقسمة على نفسها، فيما يتصل بخياري الامتثال للضغوط الأميركية، وخوض طريق المواجهة معها والمجتمع الدولي بأسره في هذا الشأن. وكما نعلم، فقد وجهت مجموعة من أعضاء البرلمان الإيراني مؤخراً، رسالة إلى الرئيس محمود أحمدي نجاد، انتقدته فيها على سياساته الدبلوماسية القائمة على مواجهة المجتمع الدولي، وكذلك حملته المسؤولية عن الاضطرابات الاقتصادية التي تتعرض لها إيران. وعلى حد تعليق بعض الخبراء والمحللين الأميركيين، فإن في تلك الرسالة البرلمانية الموجهة إلى نجاد، ما يؤكد أن الضغوط الدبلوماسية الدولية، وكذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، قد بدأت تأتي أكلها.