الخميس 1 فبراير 2007


أبو خلدون


هذا الموسم هو موسم هتلر، فالألمان يضحكون عليه في فيلم هزلي بعنوان ldquo;قائديrdquo; من إخراج اليهودي هيلج شنايدر يظهر هتلر فيه يعاني من العديد من اضطرابات نفسية مستعصية، ومن التبول اللاإرادي، كما يقرأون سيرة حياته في كتاب يصوره بصورة فرانكشتاين، ويتناقلون النكات التي كان يرددها الألمان في العهد النازي، والتي جمعها المخرج والسيناريست اليهودي رودولف هيرتزوج في كتاب صدر في الشهر الماضي بعنوان ldquo;هايل هتلرrdquo;. وفي الولايات المتحدة صدرت هذا الأسبوع رواية بعنوان ldquo;قلعة في الغابةrdquo; من تأليف نورمان ميلر تتحدث عن طفولة هتلر.

ونورمان ميلر كاتب ومخرج وممثل مثير للجدل منذ نشر روايته الأولى عام 1948 بعنوان ldquo;العارية والميتrdquo;، وهو ldquo;استفزازيrdquo; في طروحاته، كان من أشرس معارضي الحرب في فيتنام، ومن المعارضين الدائمين لأي رئيس يسكن البيت الأبيض، وهو يتعاطف مع ما يطلق عليه ldquo;ثقافة المخدراتrdquo; ويعارض الحركات النسائية، ولكن أسلوبه في المعارضة، سواء كان حديثه عن المخابرات المركزية الأمريكية أو المخدرات أو معارضة الحرب أو لي هارفي أزوالد الذي اغتال كنيدي، أو بابلو بيكاسو أو مارلين مونرو، ليس حوارا يتسلح بالمنطق، وإنما رشاشات من الصخور الصلبة يفتحها على معارضيه، ليخرج هؤلاء والدماء تسيل من جباههم. بل إن أسلوبه العنيف في عرض آرائه كان سببا رئيسيا للخلاف بينه وبين زوجاته، فقد طعن إحداهن بالسكين ودخل السجن، وتزوج خمس مرات، وفي كل مرة كانت العلاقة تنتهي بالطلاق، وهو يعيش حاليا مع زوجته السادسة في أمريكا.

ورواية ldquo;قلعة في الغابةrdquo; تتناول طفولة هتلر ونشأته، وهتلر نفسه قال إنه يحرص على إبقاء طفولته ونشأته محاطين بالغموض ليبدو بصورة العبقري السياسي الذي جاء من اللامكان، أرسله القدر لإنقاذ الأمة الألمانية. وفي عام 1930 قال: ldquo;لا أحد يعرف من أين جئت، ولا أحد يعرف شجرة عائلتيrdquo; ولكن المؤرخين يقولون إنه جاء من أسرة متواضعة اشتهرت بالتخلف، في الغابات السويسرية، ويبدو أن هذه القضية أثارت اهتمام مساعده هملر، خصوصا وأن إشاعات ترددت بأن هتلر يهودي من جراتز، فطلب من مساعديه في أغسطس 1942 إعداد تقرير عن عائلة الفوهرر.

وينسب ميلر المعلومات الواردة في روايته عن هتلر إلى ضابط كبير في المخابرات الألمانية أطلق عليه اسم ldquo;دييترrdquo; عمل فترة طويلة مع هملر وكان من بين الذين شاركوا في إعداد التقرير عن عائلة هتلر. وفيما يشبه الأدب المكشوف، تبدأ الرواية بالحديث عن ليلة في يوليو 1888 وصلت فيها مشاعر كلارا، والدة هتلر، الأوج، فأيقظت زوجها ألواز من النوم، وفي تلك الليلة التي يصف يصفها ميلر بأنها ldquo;عاصفة بحرية عنيفةrdquo; بدأت قصة هتلر. وتتوالى القصة فصلا بعد آخر لتتحدث عن والد هتلر الذي تتسم تصرفاته بالعنف، ووالدته، وشقيقه أدموند، وغيرهم، وتسجل الأحداث بدقة بالغة.

والرواية أثارت ردود فعل متباينة في الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة وألمانيا، رغم أن والدة كاتبها يهودية، وذلك لأن ميلر يبريء هتلر من كل جرائمه وينسبها للشيطان، ويقول: ldquo;إن هتلر فوق طاقة العقل البشري على التصور، فقد تعهده الشيطان في مرحلة مبكرة من حياته، وتولى رعايته ولم يكن أمامه إلا تنفيذ إرادة الشيطان بشن الحروب وإشاعة الدمارrdquo;. وهذا الإدعاء أغضب الأقلية اليهودية في الولايات المتحدة، فأعلن رئيس عصبة مكافحة التشهير التي تعتبر مظلة تضم تحتها العديد من المنظمات اليهودية: ldquo;إن الأدب الروائي لا يمكن أن يفهم ظاهرة هتلر، بل إنه يصرف الأنظار عن جرائمه، وأي معالجة فنية لهذه الظاهرة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار النواياrdquo;.

وفي الصفحات الأخيرة من روايته، يقول ميلر إن الشيطان أصيب بخيبة أمل بسبب انتحار هتلر، ولذلك لبس الجينز، وانتقل إلى الولايات المتحدة.