2 فبراير2007
تيموثي ويليام واترز
قبل أعوام قليلة فقط ظهر تفاؤل حذر حول مستقبل كوسوفو إثر تفكيك نقاط التفتيش، والتقدم الذي تم إحرازه على مسار تثبيت معايير الحكم في الإقليم، لكن ذلك كان قبل الاحتجاجات الجماعية في عام 2004، وقبل وصول رؤيتي الطرفين الرئيسيين الصرب والكوسوفيين إلى طريق مسدود في العام الماضي أثناء مباحثات الوضع النهائي لكوسوفو. واليوم وبعد انقضاء سبع سنوات على تدخل حلف شمال الأطلسي لإنهاء السيطرة الصربية الغاشمة على الإقليم، يتهيأ المجتمع الدولي لفرض حله الخاص على الطرفين المتنازعين. والواقع أن الحل سيكون سيئاً للغاية، إذ لن يعطي إلا القليل للألبان، بينما سيأخذ الكثير من الصرب. ومع ذلك يوجد حل آخر قادر على إخراج الوضع من انسداده الحالي، فقط لو حظي بدراسة مستفيضة من المنتظم الدولي متمثلاً في التقسيم. فبتبني المزيد من المرونة في مسألة الحدود يمكن الوصول إلى كوسوفو مستقلة تماماً وسهلة الإدارة، ويمكن أيضاً توفير المزيد من الحماية للأقليات في الإقليم، فضلاً عن تسهيل التوصل إلى اتفاق متفاوض حوله. لذا يبرز التقسيم كحل ممكن، بل على أنه الحل الأمثل، من وجهة نظر بعض المراقبين.
غير أن الخطة التي تعكف عليها الأمم المتحدة حالياً والمتوقع طرحها على الطرفين الصربي والحكومة الكوسوفية يوم الجمعة المقبل، تشير عبر ما تسرب منها لوسائل الإعلام، إلى أنها تسير على خطى الحل التقليدي الذي يمنح كوسوفو وضعاً شبيهاً بدولة مستقلة على كامل أراضي الإقليم. وبموجب الحل الأممي ستحصل كوسوفو على معظم صلاحيات الدولة المتمتعة بالسيادة الكاملة دون الحصول على استقلال تام، وبدون مراجعة لحدودها. والحال أن هذه التوليفة غير مقبولة لا للألبان ولا للصرب؛ فالألبان عانوا الأمرَّين تحت الحكم الصربي، وهم لذلك يستحقون استقلالاً كاملاً، لكن أي انفصال لكوسوفو يشكل تهديداً للأقليات غير الألبانية التي تعيش في الإقليم. وقد أدى الاهتمام الكبير الذي أبداه المجتمع الدولي بمسألة كوسوفو إلى التعجيل بوضع خطط لتقاسم السلطة بين جماعتين من السكان تسود بينهما مشاعر متجذرة من عدم الثقة قبل التطرق إلى موضوع الاستقلال. فجاءت تكلفة المضي في مقاربة quot;وضع المعايير قبل تحديد الوضع النهائيquot; معروفة ومتوقعة: بيئة استثمارية هشة، وانتظارات لم يفِ بها أحد تهدد بزعزعة استقرار المنطقة.
ولربما كان الوضع أسهل لو أن الطرفين المتنازعين والغارقين في بحر من الشكوك أكثر تقارباً، لكنهما أبعد ما يكون عن ذلك. فأغلبية الصرب في كوسوفو يعيشون في قطاع صغير من الأرض في أقصى الشمال، وإذا ما تم الاتفاق على التقسيم فإنهم سيواصلون العيش داخل صربيا، أما ما سيتبقى من الجيوب الصربية فإنه لن يشكل خطراً يذكر على الألبان في الإقليم، مسهلاً بذلك من مهمة حكم كوسوفو، بينما ستحظى الأقلية الصربية بالحماية كجزء من الوطن الأم في صربيا. وسيساهم التقسيم أيضاً في حلحلة الأزمة والخروج من الطريق المسدود، بحيث يمكن للقيادة الألبانية في بريشتينا التخلي على الشمال الذي تقطنه غالبية صربية، مقابل حصولها على اعتراف فوري، وتولي إدارة الإقليم دون الحاجة إلى الإشراف الدولي. ومن جهتها قد تخفف صربيا من مقاومتها لحصول كوسوفو على الاستقلال، إذا ما تأكدت من أنها ستظفر بالجزء الشمالي من الإقليم حيث تعيش أغلبية صربية. وفي حال حصول ذلك ستخف أيضاً معارضة بعض الأطراف الدولية، لاسيما الموقف الروسي المعارض لأي حل لا تقبل به صربيا.
ورغم معارضة خيار التقسيم من قبل البعض، إلا أنه لا يرقى إلى معارضة راسخة، إذ تستند إلى أن إعادة النظر في حدود كوسوفو قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة. غير أن كبت الحديث عن إعادة رسم الحدود قد يؤدي بدوره إلى زعزعة الاستقرار، خاصة وأن ألبان كوسوفو لن يقبلوا أبداً بحل أقل من الاستقلال عن صربيا. ويتخوف البعض الآخر من أن فصل الجزء الشمالي للإقليم سيحرم كوسوفو من المصانع والمناجم التي تزخر بها المنطقة، إلا أن الأكثر أهمية بالنسبة للإقليم الذي لا يتوفر على منفذ بحري هو نسج علاقات جيدة مع محيطه، بما في ذلك صربيا لتأمين وصول الاستثمارات، وهو ما لن يتأتى في حال اتباع خطة الأمم المتحدة. وإذا كنا لا نختلف على ضرورة حصول الألبان على حق تقرير مصيرهم لما عانوه من تطهير عرقي على يد الصرب، إلا أن السؤال هو إلى أي حد يمكن فرض هذا الحل على صربيا؟ وللإشارة فقط لا يوجد ما هو مقدس، أو أخلاقي فيما يتعلق بحدود إقليم كوسوفو، لاسيما وأنها صنيعة نظام quot;تيتوquot; في يوغوسلافيا سابقاً، ولم تعكس في يوم من الأيام الخريطة الإثنية للمنطقة، ولا ساهمت في تعزيز الأمن والسلم الاجتماعي في الإقليم. لذا فليس عيباً تغيير الحدود مجدداً، خاصة وأننا وافقنا مسبقاً على انفصال كوسوفو عن صربيا وهو في حد ذاته تقسيم لصربيا، فلماذا ننظر إلى اجتزاء بعض الأراضي الشمالية للإقليم على أنه خطأ مطلق؟
إننا لا نجادل في حق الكوسوفيين الحصول على استقلال حقيقي، لكن وفي الوقت الذي يتعين على الصرب دفع ثمن جرائمهم، فإنه من غير المناسب أن يعاني الأفراد الصرب دونما حاجة. لذا فإنه من شأن إدخال بعض التغييرات على الحدود النهائية للإقليم السماح بحصول الحكومة الألبانية في كوسوفو على استقلال تام ومنصف للجميع.
أستاذ القانون في جامعة إنديانا الأميركية وأحد الذين ساعدوا في إعداد وثيقة الاتهام ضد سلوبودان ميلوسوفيتش
التعليقات