2 فبراير2007


د. رغيد الصلح

فيما يتأهب عمرو موسى للعودة إلى بيروت لاستئناف المساعي العربية من اجل ايجاد حل للأزمة اللبنانية، فان البعض في بيروت وفي عواصم عربية ودولية أخرى يأمل أن يحقق الأمين العام لجامعة الدول العربية النجاح في هذه المساعي. وتستند هذه الآمال إلى معطيات متعددة منها أن الدول العربية والجامعة دخلت مرحلة التحضير للقمة العربية المقررة في نهاية شهر آذار/مارس المقبل. ومن المفروض أن تسعى الدول العربية، خاصة ذات الوزن الإقليمي لتقدم للرأي العام العربي إنجازا ما خلال هذه القمة. ويأمل اللبنانيون والأطراف الإقليمية والدولية التي تريد إخراج لبنان من ازمته المستفحلة، أن تضع الدول العربية، ممثلة بالجامعة، ثقلها حتى يكون حل هذه الأزمة هو الإنجاز المرتقب. فضلا عن ذلك فإن للجامعة أدواراً وتجارب في هذا المضمار، مضمار مساعدة لبنان على اجتياز العقبات والصعاب التي واجهته في الماضي.

كذلك تستند هذه التوقعات إلى شعور التعب والإرهاق الذي بدأ يتسلل إلى الرأي العام في لبنان وحتى إلى نفوس بعض القيادات اللبنانية من جراء تفاقم الأوضاع في لبنان، والى تخوف قيادات عربية من انفجار الوضع اللبناني على نحو يمكن لشظاياه وآثاره أن ترشح إلى الجوار العربي القريب والبعيد. كل ذلك من شأنه أن يساعد موسى، في تقدير المتفائلين، على اخراج لبنان من عنق الزجاجة وتوفير اجواء مناسبة للفرج، فهل هذه التوقعات في محلها؟ هل يتمكن عمرو موسى من تحقيق ما لم يتمكن من انجازه العديد من الوسطاء المحليين والدوليين الذين سعوا إلى وضع حد للأزمة اللبنانية المتفاقمة؟

واقع النظام الإقليمي العربي الذي يمثله الأمين العام للجامعة لا يشجع على المضي في مثل هذه التوقعات المتفائلة. فالمبادرات العربية الجماعية القريبة تبدو كأنها تعاني من مرض فقر الدم وانعدام العافية، والمجموعة العربية تتعرض إلى خسائر متوالية ونزيف ينال من قدرتها على التأثير والاستمرار. فعلى مستوى القمم العربية والإقليمية والدولية سجلت اصابة قوية في المرمى العربي خلال نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الفائت عندما منع السودان، للسنة الثانية على التوالي، من تولي رئاسة الاتحاد الافريقي بسبب اوضاع دارفور. وبمقدار ما اعتبر هذا القرار الذي توصلت اليه قمة الاتحاد الافريقي الأخير كادانة للسودان، فقد كان بمعيار الدبلوماسية الدولية نكسة للدول العربية وللنظام الإقليمي العربي، خاصة أن السودان هو راهنيا رئيس القمة العربية. أما جامعة الدول العربية فإن علامات الضعف والتراجع في ادائها تتراكم باستمرار وبصورة يومية تقريبا. على هذا الصعيد تسلط رسالة الاستقالة التي بعث بها مختار لماني سفير الجامعة في بغداد إلى الأمين العام الأنظار على التراجع المؤسف الذي ألمّ بالجامعة. فلماني يقول انه اتخذ قراره بالانسحاب من بغداد بسبب ldquo;...غياب تام لأي رؤية عربية متماسكة وجادة في معالجة الموضوع (العراقي) بل انعدام حتى الوعي بضرورة هذه الرؤية (...) والاكتفاء بالانجرار إلى مواقف ترقيعيةrdquo;.

وكما يعاني النظام الإقليمي العربي من التراجعات على مستوى القمم الإقليمية والدولية، وفي اطار جامعة الدول العربية، فانه يعاني ايضا على مستوى المجالس الوزارية. وتتسم اغلب هذه المجالس عادة بقلة الفاعية باستثناء مجلس وزراء الداخلية العرب. فسبب الهواجس الأمنية التي تسكن المنطقة العربية، بات هذا المجلس انجح المجالس العربية الوزارية واكثرها فعالية وانتاجية. الا أن الاجتماع الأخير للمجلس بدا ضعيف الفاعلية بالمقارنة مع المجالس السابقة التي انتجت وثائق مهمة في التعامل مع بعض القضايا الأمنية الإقليمية الساخنة مثل قضية الارهاب.

هذه التراجعات لا تعزز رصيد النظام الإقليمي العربي والجامعة العربية في معالجة قضية متفاقمة مثل القضية اللبنانية، ولا في معالجة اية قضية عربية من هذا النوع سواء في العراق أو غيره. ولعل ما قاله لماني يقدم تفسيرا معقولا ليس لاخفاق الجامعة في التعاطي مع القضية العراقية فحسب، ولكن ايضا لضعف تأثيرها في كافة القضايا العربية الأخرى المصيرية والحساسة. فالجامعة لا تملك رؤية متماسكة وجادة لمعالجة قضايا فلسطين ولبنان ودارفور والصومال والصحراء الغربية. ولكن الأخطر من ذلك أن الجامعة تبدو كأنها تفتقر إلى المقترب المتماسك والكلي لمعالجة اوضاع المنطقة على المستوى الإقليمي عموما. إن المدخل السليم إلى بلورة هذا المقترب يمر عبر مراجعة ضرورية، شاقة، نزيهة وفي العمق لوضع المنطقة العربية ككل وللنظر في واقعها ومستقبلها وفي حال مؤسسات العمل العربي المشترك.

في اطار هذه المراجعة سوف يجد المسؤولون العرب أن هناك حاجة متكررة إلى التفتيش عن حل لمعضلة باتت بمثابة المرض المستوطن في الجسم العربي ألا وهي معضلة الفارق الشاسع بين اتخاذ القرارات، من جهة، وتنفيذها، من جهة أخرى. هذه المعضلة لا تقتصر على مؤسسات العمل العربي المشترك فحسب، بل هي شائعة في اغلب المنظمات الإقليمية في العالم. كما انها في المنطقة العربية لا تقتصر على المنظمات الإقليمية العربية فحسب، وإنما هي ايضا من الأمراض التي تنخر البيروقراطيات المحلية. الا أن الاحصاءات تدل على أن حجم هذه المعضلة في الجسم الإقليمي العربي اكبر بكثير من حجمها في مؤسسات الدولة العربية القطرية، أو في المنظمات الإقليمية الأخرى في العالم.

كذلك سوف يجد المسؤولون العرب أن من التحديات الكبرى التي تواجه مؤسسات العمل العربي المشترك افتقارها إلى ادوات الثواب والعقاب. فحتى يسهم عمرو موسى وحتى تسهم الجامعة العربية في توفير الحلول للمعضلات العربية لا بد لهما من عصا وجزرة لمكافأة الذين يتجاوبون مع المشاريع العربية الجماعية ولعقاب الذين يعارضونها ويعملون على إفشالها. ما عدا ذلك فان مؤسسات العمل العربي المشترك سوف تبقى تعاني من الهامشية وغياب الفاعلية.