الجمعة 9 فبراير 2007
نصر طه مصطفى
عادت المواجهات بين الحكومة اليمنية والميليشيات التابعة للداعية عبدالملك الحوثي إلى التجدد في الأسبوعين الأخيرين، بعد أن استفادت هذه الميليشيات من مرحلة العفو العام الذي أعلنه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عنها مرتين خلال العامين الماضيين، في إعادة ترتيب أوضاعها استعدادا لمرحلة جديدة من المواجهات المسلحة في مناطق عدة من محافظة صعدة التي تقع شمال اليمن والتي تعد معقلهم الرئيسي، ورغم كل المبادرات التي قدمتها الحكومة لهم خلال الفترة الماضية، فإن هذه المجاميع المسلحة المعروفة بتشددها العقائدي تظن أن حملها السلاح في وجه الدولة والحكومة هو جزء من واجبها الديني باعتبار النظام في نظرها موالياً لأمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; ومحاربته واجبة شرعا حتى يسقط ويعود الحق في الحكم إلى أهله.
والظاهر أن الحكومة اليمنية قررت هذه المرة حسم هذا الملف وإغلاقه نهائيا بسبب الأضرار المعنوية على صورة الأمن والاستقرار في اليمن، التي نتجت عن استمرار هذا التمرد منذ ثلاث سنوات تقريباً (بدأ في يونيو/ حزيران 2004) وما يجري من تضخيم وتهويل للموضوع في بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية وتصويره وكأنه استهداف لطائفة مذهبية أو سلالية، في وقت تريد فيه الدولة التأكيد على مدى الاستقرار الذي تعيش فيه، وهو حقيقة بالتأكيد لتوفير أجواء مناسبة لجلب المستثمرين وجذب الاستثمارات لتنشيط الاقتصاد اليمني وإخراجه من حالة الركود التي يعاني منها. وتعتقد الحكومة اليمنية أنها وقد نجحت بشكل غير مسبوق في معالجة ملفات التنظيمات المسلحة الأخرى مثل ldquo;الجهادrdquo; وrdquo;القاعدةrdquo; بأقل الخسائر الممكنة وأغلقتها من خلال الأداء الأمني والحوار السياسي والفكري مع أعضاء هذه التيارات، الأمر الذي أدى إلى استيعاب معظم هؤلاء اجتماعياً وإعادة تأهيل بعضهم نفسيا وقناعة معظمهم بترك اللجوء للعنف كوسيلة للتعبير عن الرأي، فإنها أي الحكومة وقد قامت بنفس الخطوات مع أتباع الحوثي من دون فائدة لم يعد أمامها سوى اللجوء للكي واستئصال هذا الورم، بحسب رأي الدكتور عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي للرئيس اليمني، رغم أن الرئيس صالح، كما يعرف كل المقربين منه، يكره اللجوء للعنف ويفضل استمرار الحوار مع الطرف الآخر مهما كان الأمر طالما لم يحسم خياراته باتجاه استخدام العنف في التعاطي مع الحكومة بدلا من الحوار.
لا شك أن مقتل مؤسس تنظيم (الشباب المؤمن) حسين بدر الدين الحوثي في مواجهات عام 2004 ثم اختفاء والده ووفاته على الأغلب عقب مواجهات عام 2005 وتولي ابنه الثاني عبدالملك بدرالدين الحوثي قيادة التنظيم يعطي الكثير من الدلالات والمؤشرات المهمة على طبيعة هكذا تنظيم، فالعائلة هي المهيمنة عليه كما يتضح من السلسلة القيادية، فيما ولاء أعضائه خالص تماما لأسرة الحوثي باعتبارها تنتمي للسلالة العلوية ويعتبرون ما يصدر عن أحد أفرادها واجب الطاعة العمياء بلا تردد، بل إن كثيراً من أفراد هذا التنظيم لم يصدق أن مؤسسه حسين قد توفي فعلاً، كما أن انتماء هذه العائلة لإحدى مديريات محافظة صعدة قد جعل معظم أعضائها والموالين لها من أبناء نفس المحافظة، رغم أنه كان لها امتدادات بسيطة في ثلاث أو أربع محافظات أخرى تم احتواؤها تقريبا منذ فتنة ،2004 ومن المؤشرات المهمة أن معظم الذين أسسوا هذا التنظيم مع حسين الحوثي أواسط تسعينات القرن الماضي من أعضاء الجناح الفكري والسياسي، قد تخلوا عنه بعد قراره التمرد واللجوء للعنف ولم يبق معه إلا أعضاء الجناح العسكري الذين يصرون على التمرد معه، من دون أن يدركوا استحالة تحقيق أهدافهم في بلد كبير مثل اليمن يزيد عدد سكانه على عشرين مليون نسمة، وتمكن النظام الجمهوري خلال خمسة وأربعين عاماً من تذويب التعصب المذهبي عبر نشر التعليم وتوحيد الرؤى الفقهية في المناهج الدراسية والقوانين النافذة المستمدة من الشريعة الإسلامية، ناهيك عن أن عملية الاندماج الاجتماعي التي تمت طوال تلك العقود الخمسة قد أذابت الكثير من عوامل العصبية المذهبية وإن لم تقض عليها تماماً. وأخيراً فإن واحدة من أهم المؤشرات أن هذا التنظيم لن يكون قادرا على ما يبدو على التحول إلى حزب سياسي معترف به، كما عرضت عليه الحكومة اليمنية كبديل عن اللجوء للعنف ووسيلة سلمية للتعبير عن آرائه السياسية، فعجزه عن التحول لحزب سياسي ناتج عن أن قانون الأحزاب اليمني يمنع نشوء أي حزب سياسي على أساس جهوي أو قبلي أو مذهبي، وهذا التنظيم لن يكون في حال تحوله إلى حزب سياسي إلا حزباً جهوياً مذهبياً، ويبدو أن إدراك قادته لذلك يشكل أحد عوامل استمراره في ممارسة العنف ورفض تسليم أسلحته وأعضائه لأجهزة الدولة مقابل الأمان فيما عدا عمن ارتكبوا جرائم قتل أو اعتداء.
في العادة يكون الثمن الذي تدفعه الدول باهظا للقضاء على مثل هذه التنظيمات العقائدية، فاليمن تكبد أكثر من خمسمائة قتيل وأكثر من ألفي جريح وخسائر مادية تتجاوز ستمائة مليون دولار أثناء مواجهات ،2004 التي استمرت ثلاثة شهور مع تنظيم الحوثي، ورغم أن تلك المواجهات قضت على البنية الأساسية لذلك التنظيم، إلا أن المواجهات هذه المرة إن استهدفت إغلاق الملف نهائيا ستكون لها كلفة باهظة ليس بالضرورة على المستوى البشري بل على المستوى المادي، إذ سيعني أن يستولي الجيش على كل المواقع التي يسيطر عليها الحوثيون ومن ثم الوجود العسكري الدائم في مثل هذه المناطق للحيلولة دون عودتهم للتمرد، وحينذاك لن يكون أمامهم سوى العودة للحوار أو العودة لممارسة حياتهم العادية كما كان عليه الأمر قبل إنشاء هذا التنظيم العقائدي.
التعليقات