السبت 10 فبراير 2007


يو ماوتشون ـ بروجيكت سنديكيت

في الوقت الحالي، يقوم الرئيس الصيني هيو جينتاو بجولة في إفريقيا، ساعياً إلى تأمين المصادر التي يمكن الاعتماد عليها من الموارد الطبيعية، فضلاً عن الترويج لنهضة الصين quot;السلميةquot;. ويأتي تصميم مثل هذه الجولات على النحو الذي يلفت الانتباه إلى بروز الصين على الساحة العالمية، علاوة على جعلها تبدو ككيان محترم، باعتبارها قوة عالمية عظمى. إلا أن مساعي الصين الرامية إلى اكتساب الاحترام الدولي لن يخدمها احتضانها للدول المارقة مثل السودان، وفنزويلا، وبورما، وبالطبع لن يخدمها في ذلك محاولاتها المتكتمة لتضخيم قوتها العسكرية، ومغامرتها الأخيرة في الفضاء الخارجي.

حين أطلقت القوات المسلحة الصينية، سراً وعلى نحو متهور، صاروخاً أرضياً إلى الفضاء الخارجي في منتصف شهر كانون الثاني الماضي لتحطيم أحد أقمارها الاصطناعية العتيقة، تسببت الحكومة الصينية في إحداث حالة من الغضب الشديد من لندن إلى طوكيو إلى واشنطن. وبعد عدة أيام من الصمت في مواجهة الأدلة الدامغة التي أكدت إطلاق ذلك الصاروخ، اعترف قادة الصين، مكرهين، بما فعلته الصين؛ إلا أنهم زعموا أن quot;الاختبار لم يكن موجهاً نحو أي دولة، ولا يشكل تهديداً لأي دولةquot;.

لقد أصبحت محاولات الإنكار هذه غير مقنعة. بل إن مثل هذا التصرف الخطر غير المسؤول يشكل دليلاً قوياً على أن نهضة الصين كقوة عظمى تفتقر إلى أي ضمانات تؤكد أنها ستكون أمة مسالمة بمجرد أن تكتسب القوة. ويتناقض هذا على نحو صريح مع التأكيدات المكررة من قِبَل قادة الصين بأن نهضة الصين لن تجلب على المجتمع الدولي إلا quot;الانسجامquot; والسلام.

إن رصد طموحات الصين في الفضاء يعبر عن روح الحرب الباردة، التي تستمر في اختراق الدوائر الداخلية للقيادات العسكرية العليا التي تعتبر الولايات المتحدة خصماً رئيساً لها. وبعد انهيار النظام الشيوعي السوفييتي، ظلت الولايات المتحدة تتمتع بدورها المهيمن في استكشاف الفضاء لأغراض التنمية السلمية والعلمية. لكن منذ ثمانينيات القرن العشرين، أصبحت الولايات المتحدة مترددة وغير واثقة بشأن المنفعة العسكرية والمدنية التي قد تتحقق من خلال جهودها في الفضاء.

أما الآن، فقد خفت حدة هذا التردد إلى حد كبير بسبب تصرف الصين الأخير، وهو الأمر الذي قد يعجل بسباق لعسكرة وتسليح الفضاء الخارجي. وإذا ما حدث هذا فسوف تتحمل الصين القسم الأعظم من اللوم.

الحقيقة أن ميل الصين إلى المغامرة، وطيشها الذي يجعلها تتهيأ أنها تستطيع التعامل مع أي ديكتاتور دولي، وأن تخل بالتوازن العسكري الدقيق في الفضاء الخارجي، يرسم للعالم صورة مشؤومة وخطيرة.

فبسبب التدليل المتغطرس للصين من قِـبَل دول العالم المتقدم، ونجاح الصين في التلاعب بالرأي العام العالمي، أصبحت دول العالم تتعامل معها وكأنها حالة quot;استثنائيةquot; حين يتصل الأمر بسلوكها على الصعيد الدولي.

ونتيجة لهذا، تتمتع الصين في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، بدرجة من الحصانة من الانتقاد إزاء انتهاكاتها الفاضحة لحقوق الإنسان، فضلاً عن تضخيمها لقوتها العسكرية على نحو لا نظير له. وبصورة مماثلة، نادراً ما تُـذكر علاقات الصين بالأنظمة الاستبدادية، أو حتى مسؤوليتها عن حماية البيئة العالمية. والحقيقة أن أحداً لم يطلب من الصين أن تتحمل أي شيء، مثل القيام بحصتها الواجبة في الأعباء المترتبة على الجهود الرامية إلى تقليص معدلات انبعاث الكربون طبقاً لبروتوكول كيوتو.

ليس من المدهش، إذن، أن تتصرف قيادات الصين المدللة الآن وكأن دولتها تشكل حالة استثنائية بالفعل، وكأنها قادرة على تلويث الفضاء الخارجي من دون التعرض إلى توبيخ أو تأنيب! لقد أسفر تحطيم القمر الاصطناعي عن تناثر ما يقرب من ثلاثمائة ألف قطعة من الحطام، الأمر الذي يتسبب في تلوث شديد، ويعرض العديد من المركبات الفضائية الأخرى التي تدور في مداراتها حول الأرض لمخاطر عظيمة. ونحن ندرك هذه الحقائق لأن المرة الأخيرة والوحيدة التي حاولت فيها أي جهة quot;قتلquot; قمر اصطناعي باستخدام صاروخ موجه من الأرض، كانت في العام 1985 حين دمرت الولايات المتحدة أحد أقمارها الاصطناعية، فأدى ذلك إلى إحداث بقعة هائلة من الحطام، استغرق تنظيفها من الحكومة الأميركية ما يقرب من سبعة عشر عاماً.

ونظراً إلى حجم الصين، لا نستطيع أن نتجاهل المخاطر المتمثلة في احتمالات تحول وضعها الاستثنائي الغريب إلى أمر مزعج حقاً. وإن جهود الصين الرامية إلى إخضاع عمالقة شبكة الإنترنت، مثل جوجل، وياهو، ومايكروسوفت، لضوابطها السياسية الداخلية، ومحاولاتها في إفريقيا وأميركا اللاتينية الرامية إلى تشكيل تكتلات تجارية تلاحق التنمية الاقتصادية بينما تتجاهل حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة، تشكل في النهاية نموذجاً فقيراً للعالم النامي.

الحقيقة أن تودد الصين إلى الأنظمة الاستبدادية الثرية بالموارد الطبيعية في العالم الثالث، وخطوتها الأخيرة نحو تسليح وعسكرة الفضاء الخارجي، من الأسباب التي تؤدي إلى تقويض صورتها الجديدة كنموذج للتطور الاجتماعي quot;المنسجمquot;. وهذا يعني أن الاستمرار في منح الصين هذه المعاملة quot;الاستثنائيةquot;، على الرغم من سلوكياتها الحالية، لا بد وأن يؤدي في النهاية إلى تقويض قدرتها على التحول إلى أمة قادرة على الاضطلاع بدور زعامي عالمي مسؤول.

يو ماوتشون أستاذ تاريخ شرق آسيا والتاريخ العسكري في الأكاديمية البحرية بالولايات المتحدة.

quot;الغدquot;.