الأثنين 12 فبراير 2007

د. عبدالله خليفة الشايجي

أرسلت إيران خلال الأيام الماضية العديد من الرسائل السياسية عبر تهديدات وتحذيرات مرشد الثورة ورفسنجاني الواضحة والصريحة للأميركيين، ثم زيارة وزير الخارجية السابق ولايتي لروسيا وإمساكه بالملف النووي، واكتشاف شبكة تجسس تعمل لحساب الـquot;سي آي إيquot; والموساد، وتجربة صاروخ quot;رعدquot; المطور في مناورات تحدٍّ ومواجهة مع واشنطن وحلفائها. إنها رسائل عديدة رد عليها وزير الدفاع الأميركي الذي كرر مع رايس وبقية المسؤولين الأميركيين، أنه لا تخطيط لضرب إيران.
من الواضح أن منطقة الخليج باتت إذن منذ فترة ليست بالقصيرة مسرحاً حياً لمنازلة وتحديات وتهديدات ورسائل متبادلة بين إيران التي تبدو الآن في موقع المستفيد الرئيسي كنجم ومحور استقطاب عسكري واستراتيجي، وصاحب ثقل معنوي لملء الفراغ الذي خلفته الاستراتيجية الأميركية بإقصاء أكثر نظامين كانا يهددان الأمن الإيراني، quot;طالبانquot; في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق. وهكذا تبرز إيران في النهاية كلاعب رئيسي أول بلا منازع من دول الإقليم، ولتمد نفوذها الاستراتيجي والعسكري من بحر قزوين شمالاً إلى بحر عُمان جنوباً، مروراً بالعراق، وقد باتت إيران اليوم هي أكبر لاعب في ذلك البلد المنكوب، حيث تؤكد منظمة quot;مجاهدي خلقquot; وجود أكثر من 30 ألف عنصر موالٍ لإيران بالأسماء والألقاب والمبالغ التي يتقاضونها من طهران.
ويكتسب ما يجري في العراق الذي لا يمكن عزله عن الاستراتيجية الأميركية التي أعلنها الرئيس بوش مؤخراً، وفي مقدمتها تحذيراته لإيران، أهمية كبيرة خاصة أن تهديدات سيد البيت الأبيض وتحذيراته تبعتها زيارات quot;رايسquot; المتكررة لإيجاد quot;محور اعتدالquot; مقابل quot;محور التشددquot;. ثم جاءت إشارة بوش لدول المنطقة إلى quot;أن الفشل الأميركي في العراق سيخلق بؤراً للمتطرفين وتهديداً استراتيجياً لبقائهاquot;، مما سينعكس سلباً على أمن واستقرار دول المنطقة.
وفي المقلب الآخر للأمر لا تطمئننا كثيراً نذر المواجهة المقبلة والحشد والتصعيد العسكري والسياسي والتقاذف الخطير بين الولايات المتحدة الأميركية ومعها المجتمع الدولي مع ما تحاول واشنطن حشده من محور اعتدال عربي للدول السُّنية العربية في منطقة الخليج ومصر والأردن من جهة، وبين إيران وبرنامجها النووي، من جهة أخرى.
ويتزامن التصعيد السياسي والعسكري مع تحذيرات مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي من أن اصطفاف دول المنطقة مع الأميركيين لمناقشة برنامج إيران النووي quot;سيكون خطأ سياسياً من قبلهمquot;، ومن أن أي اعتداء سيكون الرد عليه برد شامل، وأن أحداً لن يرتكب حماقة كهذه أو يعرض مصالح بلاده للخطر. وكذلك تحذيرات رفسنجاني من أن أي هجوم أميركي سيكلف الأميركيين غالياً. وفي حال الهجوم على إيران ستتضاعف مشاكل الولايات المتحدة في العراق عشرات المرات. كل هذا مع تحذيرات القادة العسكريين الإيرانيين واستعراض العضلات عبر المناورات العسكرية المتكررة وتجربة صواريخ quot;شهاب 2quot; وquot;شهاب 3quot; وآخرها الذي جربته إيران قبل أيام صاروخ quot;رعدquot; المعدل SSN-4 المضاد للسفن، والذي يبلغ مداه 350 كلم وحمولته حوالى 500 كلغ، ويستطيع إصابة بوارج، مما يكسب إيران قوة إضافية ويقوي موقفها في الحرب النفسية مع أميركا.
ثم هناك التمدد وخطر ما تمثله الحالة العراقية وسط الاصطفافات والفرز وزيادة الحديث عن الحروب الأهلية على خطوط مذهبية كما هو الحال في العراق ولبنان، وخاصة بعد تحذيرات الملك عبدالله عاهل الأردن من هلال شيعي، وتصريح الرئيس حسني مبارك عن ولاء أغلبية الشيعة في الدول العربية لإيران، وتصريح خادم الحرمين الملك عبدالله مؤخراً، بدون تسمية إيران من أن سياستها تضع المنطقة في خطر، وأنه يجب حل الخلافات العربية على أيدينا دون تدخل الآخرين.
حقاً تبدو المنطقة الآن أقرب إلى برميل بارود قابل للاشتعال على حد توصيف خادم الحرمين الشريفين. والمثير للقلق كما كتبنا مراراً هو غياب دورنا الخليجي، وعدم قدرتنا على التأثير على أميركا أو إيران، أو حتى لعب دور الوسيط بينهما، وبالتالي تجنيب المنطقة حرباً قد لا تبقي ولا تذر.