الأثنين 12 فبراير 2007
صالح القلاب
الآن وقد تم التوصل الى إتفاق مكة المكرمة وبات في حكم المؤكد أن حكومة الوحدة الوطنية سترى النور، ربما قبل إجتماع اللجنة الرباعية في الحادي والعشرين من هذا الشهر في برلين،.. الآن يجب القول لماذا كان كل هذا الجفاء بين الأردن كدولة وليس كحكومة فقط وبين حركة حماس ولماذا وصلت الأمور مع هذه الحركة الى ما وصلت إليه..؟!.
ربما لغير الأردن حسابات كثيرة غير حساب حق الشعب الفلسطيني في الإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المنشودة على الأراضي التي أُحتلت في العام 1967 أما بالنسبة للأردن فإنه في كل مواقفه، منذ إعتراف العرب بمنظمة التحرير قبل نحو ثلاثة وثلاثين عاماً، لم ينطلق تجاه القضية الفلسطينية لا على أساس حسابات خاصة ولا على أساس تطلعات إقليمية ولا من أجل البحث عن دور محوري في هذه المنطقة... لقد إنطلق وهو لايزال ينطلق من قناعة وطنية وقومية بأنه من حق هذا الشعب الشقيق، بعد مسيرة العذاب الطويلة هذه وبعد هذا الكفاح البطولي المميز، أن يحكم نفسه بنفسه وأن يقيم دولته التي جاهد وناضل من أجل إقامتها بعيداً عن التدخلات الخارجية والحسابات الإقليمية.
لم يفعل الأردن ما فعلته بعض الدول الشقيقة التي لم تتعامل مع الموضوع الفلسطيني إلا على أساس تحسين وتعزيز مواقعها في المعادلات الإقليمية والدولية والتي بقيت تصرُّ على ربط العربة الفلسطينية بقاطرتها وممارسة وصاية أبوية وبالقوة على منظمة التحرير وعلى كل فصائلها ثم بعد ذلك الفصائل الناشئة التي لم تنضو في إطار هذه المنظمة التي إعترفت بها معظم دول العالم وعاملتها كدولة فعلية قائمة.
لقد حسم الأردن، بعد إعتراف قمة الرباط العربية في العام 1974 بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، مسألة العلاقة مع الضفة الغربية ( المحتلة ) إذْ بما أن العرب والفلسطينيين يريدون هذا فإنه لا عودة لواقع ما قبل حرب حزيران ( يونيو ) العام 1967 وأن الهدف الاستراتيجي الأردني أصبح ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي أُحتلت خلال هذه الحرب.. ثم بعد ذلك يقرر الشعبان الشقيقان العلاقات بين دولتيهما من خلال المؤسسات الدستورية والشرعية.
لا تغيير ولا تبديل في هذه السياسة ولن يكون هناك أي تغيير أو تبديل فيها ولذلك فإن الموقف من حركة حماس قد إنطلق من هذه القناعة الراسخة وهو إنطلق من أن مصلحة الشعب الفلسطيني ألا يتدخل أحد في شؤونه الداخلية وألا تتدخل فصائله ومنظماته وتنظيماته في الشؤون الداخلية لأي شعب شقيق ولأي دولة شقيقة فالدروس السابقة هنا في الأردن وهناك في لبنان أثبتت أن الفلسطينيين هم الخاسر الأكبر من مثل هذه التدخلات سواءً إن كانت في هذا الإتجاه أو ذاك.
لقد حاولت حركة حماس ، غير مستفيدة لا من دروس الماضي ولا من عبره، التدخل في الشأن الأردني الداخلي عندما كان الأردن يحتضنها وكانت كل قيادتها تعمل بكل حرية على الأراضي الأردنية فكان ذلك القرار المعروف الذي هدفه صيانة هذه الساحة وعدم الإخلال بالأمن الأردني وفي الوقت ذاته إبعاد القضية الفلسطينية عن الإنشغالات الجانبية وعن التدخل في شؤون الدول الشقيقة وعدم تكرار ما جرى في لبنان عندما شكلت فصائل منظمة التحرير دولة داخل الدولة اللبنانية.
وأيضاً فقد كان الأردن ولايزال ضد وضع القضية الفلسطينية عند تقاطع الإستقطابات الإقليمية وكان ولايزال مع ضرورة إبعاد هذه القضية القومية المقدسة عن سياسات الفساطيط والمحاور وكان ولايزال مع أن تكون منظمة التحرير إطاراً واحداً لكل فصائل العمل الوطني الفلسطيني.. والأردن كان ولايزال مع عدم إخضاع القرار الفلسطيني لأي تأثيرات خارجية وجانبية ولذلك فإنه اختلف مع حركة حماس وإتخذ ذلك الموقف المعروف الذي إتخذه منها وهو موقف يخضع بالطبع للمستجدات السياسية فعندما توافق هذه الحركة على ما وافقت عليه في مكة المكرمة وعندما تراجع حساباتها السابقة وتصبح جزءاً من السلطة الوطنية وجزءاً من منظمة التحرير وجزءاً من عملية السلام فإن المؤكد أن الموقف الأردني السابق ستجري مراجعته وفقاً لمصلحة الأردنيين ومصلحة الفلسطينيين ووفقاً للثوابت الأردنية والثوابت الفلسطينية.
التعليقات