الأربعاء 14 فبراير 2007


خيري منصور

صفق الفلسطينيون بأكف راعشة كما صفق العديد من العرب لاتفاق حماس وفتح في مكة المكرمة، ولم يعد الطرفان مثلما عادا مراراً الى غزة ورام الله الى المربع الأول أو نقطة الصفر، فالحكومة الوطنية أوشكت على الاكتمال، لكن الحذر لم يفارق نفوساً أدماها المشهد الذي استحق وصف الكارثي بجدارة.


والملدوغ يخاف من العصا وأحياناً من الحبل أو ظله، ومن حق الشعب الفلسطيني أن يحتفظ بقدر من الحذر قبل ان يغرق في بحر التفاؤل الذي لا تؤتمن أمواجه، فالمد والجزر ليسا حراكاً بحرياً فقط، وقد يكون الماء قد تعلم هذه المراوغة من اليابسة، التي عانت أكثر من مياه العالم كلها من السياسة وشجونها ودسائسها.

إن ما فعلته الدولة الصهيونية خلال الأزمة بين فتح وحماس وهو مواصلة الانتهاك للأقصى كان بمثابة برقية أخطأت المرسل إليه، فالحكمة تؤخذ أحياناً من أفواه الأعداء وليس من المجانين فقط، لأن العدو يدل ضحيته على حقها رغما عنه، وقد يرسم لها طريق العودة من المنفى وهو آخر من يعلم بما اقترف، لأن التاريخ بجدليته يجب أن يستمر حتى المصب. وإعاقة مجراه عبر السدود قد لا تفلح إلا لبعض الوقت.

وشاءت المصادفة أن ألتقي صديقاً قديماً وهو من البارزين في حركة فتح في أحد المطارات، وأتاح لنا المطار ساعتين من الحوار قبل ان تفرقنا طائرتان تقلع كل منهما في اتجاه مغاير، سمعت منه ما أكد لي أن الحذرين على حق.

فنحن نعيش زمناً عربياً مثقباً كالغربال، وفيه من المفاجآت ما يقطع أية متوالية تقليدية سواء تعلق الأمر بالسياسة أو بأي شيء آخر.

سمعت من الصديق القديم ما لا نسمعه من وسائل الإعلام وما لا يجهر به المتحدثون الرسميون، بحيث تسللت اليّ في بادئ الحوار شكوك عميقة في جدوى أي ائتلاف موسمي أو وئام وطني مؤقت، لكنني سرعان ما نجوت من هذه الشكوك، والمونولوج الطويل الذي استغرقني بعد وداع الصديق هو هل يمكن لإنسان في هذا العالم أن يقدم العون الى عدوه في أشد اللحظات عسراً وحرجاً؟ وهل يمكن لعاقل أن يضيف مجهوده الى مجهود غزاته وهو لا يعلم؟

فالفلسطينيون الملدوغون من ألف جُحر وجُحر تلقوا في بعض المواقف لقاحات مغشوشة لهذا عاودوا الاشتباك الدموي الذي يتحول على الفور الى مكسب لسلطات الاحتلال وهو مكسب مزدوج، لأنها تستثمر المشهد الشاذ والناتئ عن أي سياق ديمقراطي أو وطني لصالحها، وتسعى الى تقديم صورة مضللة للفلسطيني، لتشريع احتلالها وتسويغ ما تقوم به من ممارسات وحشية، الأمر الآن، يؤجل الكثير من الحذر، لكنه لا يقدم من الاطمئنان ما يكفي للاستغراق في النوم، دون مقاطعة الكوابيس، لأن بعض المواقف لا تنتهي بوضع نقطة في آخر السطر، وقد تعقبها فوبيا تستوطن الذاكرة ولو الى حين.

إن أبسط بدهيات المقاومة، والنضال الوطني من أجل الاستقلال، هي الاتفاق على خطوط حمر في مقدمتها الدم، ورغم تكرار عبارة ldquo;الدم الفلسطيني خط أحمرrdquo;، إلا أن انتهاك هذا الخط تكرر عدة مرات في بضعة شهور.

لقد كان الدرس شاقاً وليس بليغاً فقط، وكذلك كان الجرح الفلسطيني الذي نزف من الخاصرة الأخرى.

ما نرجوه هو أن تجتاز فتح وحماس الاختبار العسير، خصوصاً أن المشترك بينهما لا ينتهي عند العدو الواحد.. بل يبدأ منه.