الخميس 15 فبراير 2007

د. موزة غباش


فيما يغرق العالم العربي في عدد من المآسي، من فلسطين إلى العراق ولبنان والسودان حتى الصومال، وفي الوقت الذي كان متوقعاً فيه أن يقوم عمرو موسى بزيارة إلى لبنان لمعرفة ما وصلت إليه الأطراف، وما يمكن فعله لمنع الانفجار، قرأنا منذ أيام أخباراً عن عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية -ما غيره- وعن رعايته لمؤتمر الجمعية العربية للصحة الجنسية الثالث، الذي عقد في دبي مؤخراً، وكأن الأمين العام الذي لم يجد حلولاً لأي من المشاكل العربية، يحاول أن يجرب خبرته وتجربته في إصلاح العجز الجنسي والسعادة الزوجية العزيزة والبعيدة المنال في الوطن العربي، مثلها في ذلك مثل سعادة الشعوب في ظل الأنظمة الحاكمة من جهة، وفي ظل الضربات الموجهة من الخارج من جهة ثانية.

المؤتمر الذي اختتم أعماله السبت الماضي، ناقش quot;الصحة الجنسية عند العربquot; من جوانب عدة، واستعان بمن دعاهم quot;كبار المتخصصين في المجال إقليمياً وعالمياًquot;، لمناقشة الدراسة التي قامت بها شركة quot;فايزرquot; الأميركية (وهي الشركة المنتجة لعقار الفياجرا، وكأنه ليس لدينا شركات وجامعات تقوم بذلك). هذه الدراسة التي كان جرى الإعلان عنها مؤخراً، تضمنت ما معناه أن نصف النساء في المنطقة لا يشعرن بالرضى التام عن حياتهن الجنسية، وأن 57 في المئة من الرجال غير راضين جنسياً. ومن أبرز ما توصلت إليه الدراسة من إحصائيات وأرقام ونسب ذات دلالة، هو أن 62 في المئة من النساء في الإمارات يشعرن برضىً كبير عن حياتهن الجنسية، فيما بلغت النسبة في الكويت 46 في المئة للرجال و49 في المئة للنساء، وفي مصر بلغت نسبة الرضى الجنسي 39 في المئة للرجال و41 في المئة للنساء.

ومع أن هذه المسألة قد تتعلق بمستوى الخدمات الصحية والظروف الاقتصادية، وتشير إلى حجم الضغوط التي يتعرض لها المواطن في كل بلد، فهي ليست دقيقة تماماً، وقد تكون الأرقام خادعة، حيث يمكن لمن يدقق أكثر أن يجد نتائج أكثر كارثية في ما يخص الحياة الجنسية والسعادة الزوجية، لأن مجتمعاتنا ما تزال تعيش قدراً من المحافظة والسرية في هذا المجال، ففي حين أن الرجل قد يمتلك الجرأة على الجهر برأيه متهماً المرأة، فهي لا تمتلك القدر نفسه من الجرأة إلا أمام صديقة حميمة ربما، ما يجعل الأمر طي الكتمان، وحتى عن أسبابه لا نعرف سوى القليل. ففي حين يمكن للدراسات أن تشير إلى أسباب تتعلق بالظروف الاجتماعية والنفسية وظروف التنشئة والثقافة الجنسية، يشير البعض إلى أمراض جنسية معينة تسبب العجز أو عدم القدرة على التواصل الصحي والسليم بين الزوجين، خصوصاً أن قلة من المصابين بأمراض كهذه توافق على الذهاب إلى طبيب أمراض جنسية خوفاً أو جهلاً أو لاعتبارات اجتماعية.

لا نقلل من أهمية أن يرعى الأمين العام للجامعة العربية، مؤتمراً للصحة الجنسية والسعادة الجنسية، ولكن لابد من ربط ذلك بقضايا وهموم الإنسان العربي المتكاثرة والمتفاقمة. فالصحة بشكل عام هي في حاجة إلى معالجات جذرية تربطها أيضاً بتلك القضايا والهموم التي لا تجد حلاً رغم المؤتمرات الكثيرة التي لا تنفك تعقدها الجامعة العربية ومؤسساتها من دون جدوى تذكر. فقضايا الفقر والبطالة والعمالة الأجنبية، وخصوصاً quot;العمالة الجنسية الوافدةquot; إذا أمكن القول، فضلاً عن القضايا السياسية والوطنية والفكرية والعربية، وبعضها قابل للانفجار وترك آثار سلبية مدمرة على المجتمعات العربية، هي كلها تتطلب حلولاً جذرية.

ونلفت أخيراً إلى أن الشركة الراعية للمؤتمر، قد حظيت بحضور كبير فيه، وبقدر من الدعاية لمنتجاتها من العقاقير الجنسية المقوية والمنتشرة على مستوى العالم كله، وليس العالم العربي فحسب، ولم يقل أحد إن العقاقير وحدها لا يمكن أن تكون فاعلة إن لم نبحث الأسباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية للعجز، في ظل وجود دراسات كثيرة تؤكد أن الضغوط النفسية والعصبية تلعب دوراً فيه، وكذلك المعاناة من أمراض القلب والشرايين التي تزداد عند الشرائح الفقيرة، فأي علاج لهؤلاء؟! وأي علاج لمن تصيبهم النوبات القلبية جراء ما يشاهدون على شاشات التلفزة ليلاً ونهاراً؟ وأية مؤتمرات تنفعهم؟!


رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي - دبي