فهد عامر الأحمدي


في كل يوم نقف حائرين أمام قرارات غير ملزمة يكاد انجازها يتساوى مع تجاهلها.. قرارات لا نعلم نتائجها - أو ما يترتب عليها - وبالتالي لن نحاسب عليها إن فعلناها أو تركناها... غير أن الفارق الضئيل بين ان نفعل أو لانفعل قد يغير حياة الانسان وقد ينعطف بالتاريخ الى وجهة مختلفة تماما.. فالملك عبد العزيز مثلا - حين كان شابا في الكويت - كانت تتنازعه قوتان الأولى استعادة الرياض والثانية الرضوخ لرغبة والده (الذي كان يعارض الفكرة خوفا عليه).. كانت هناك لحظات تردد وفرق ضئيل بين ان يفعل او لا يفعل. وفي حال اتخذ قرارا بعدم الفعل لن يلام على ذلك ؛ لكن حين فعل نشأت دولة وتوحد شعب وبُسطت سيادة!!

وحين نراجع سير العظماء نجد أن الفارق الضئيل بين الإرادتين شكل فارقا عظيما في مسيرة التاريخ ؛ فنابليون مثلا كان فتى ايطاليا قبل ان تنضم كورسيكا الى فرنسا. وفي (اخر لحظة) قرر دخول الكلية الحربية في باريس بدل العيش مع والديه كمزارع. ولأنه اختار الذهاب الى باريس اصبح امبراطورا وتوج اخوته على عروش اوروبا - وتحولت والدته من quot;مربية دجاجquot; الى أم لاثني عشر ملكا!!

أما هتلر فنشأ يعشق الرسم وكان يأمل في ان يصبح رساما مشهورا. ولكن موهبته المتدنية جعلته (في اخر لحظة) يتخلى عن هذا الحلم ويشعل حربا قتلت 54مليون انسان!!

وتوفر إرادتين متقاربتين بهذا الشكل يقود الى تساؤلات عجيبة مثل :

ماذا لو اختار الملك عبد العزيز البقاء في الكويت؟.. ماذا لو ظل نابليون في المزرعة؟.. ماذا لو اصبح هتلر رساما!؟

تخيل لو أن توأماً لهؤلاء العظماء (يعيش في كوكب آخر) اتخذ القرار الثاني فإلى أي اتجاه سينعطف التاريخ ويتغير شكل الحاضر!!؟

هذا التصور الغريب جعل بعض المفكرين يفترضون وجود اكوان متشابهة تضم (عدة نسخ من كل إنسان) كل منهم يتخذ قرارا ممكنا ؛ فإن اخترت أنت مثلا الذهاب للعمل قد يقرر توأمك على الكوكب الاخر الاستمرار في النوم، وفي حين قرر هتلر الانخراط في السياسة اختار توأمه الآخر الرسم... وحين يتشعب الاختيار الى خمسة او عشرة (او حتى مليون احتمال) فإن هذا قد يعني وجود خمسة او عشرة (او حتى مليون) كوكب شبيه!!

هذه الفكرة الغريبة كانت محورا لروايات عديدة شيقة (استعرضت بعضها في مقال بعنوان : التاريخ على تلك الكواكب) ؛ وأول رواية بهذا المعنى ظهرت عام 1838وتفترض انتصار نابليون حتى النهاية وكانت بعنوان quot;نابليون يحتل العالمquot;. وفي عام 1929كتب آرثر كونان رواية بعنوان quot;الرحلة المميتةquot; يفترض فيها انتصار المانيا في الحرب العالمية الاولى.. وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت روايات تفترض انتصار هتلر على روسيا والتحالف الغربي مثل quot;صوت بوقهquot; عام 1952، وquot;الرجل في القلعةquot; عام 1962، وquot;انتصارات هتلرquot; عام 1986- وفي الرواية الاخيرة يتصور (جريجوري بنفورد) انتصار هتلر على امريكا ودخوله الى واشنطن واتخاذه من البيت الابيض مقرا للحزب النازي!!

... وبطبيعة الحال لايوجد دليل على فكرة (النسخ الكونية) ولكننا نعرف اليوم أن (الكون) أبعد مايكون عن الفضاء والفراغ ؛ فبين النجوم والكواكب توجد مادة سوداء غير مرئية تشكل 90% من مادة الكون (تم استنتاج وجودها من خلال نتائجها وتأثيرها على الأجرام المرئية).. ووجود هذه الكتلة المجهولة - التي تملأ فراغات الكون - حقيقة وردت في آيات كثيرة مثل قوله تعالى (رب السموات والأرض وما بينهما) (ولله ملك السموات والأرض ومابينهما يخلق مايشاء) وكذلك (خلق السموات بغير عمد ترونها).. ومؤخرا اقترح العالمان تيد وسيرفانت - من جامعة شيكاغو - استحالة رصد أو رؤية هذه الكتلة المجهولة كونها ببساطة موجودة في بُعد كوني آخر.. وحسب رأيهما ان مانعتبره quot;كتلة سوداءquot; ليس إلا محتويات أكوان أخرى غير مرئية تتداخل مع كوننا - وتتفاعل معه عند مستويات معينة - بطريقة محيرة وغير مفهومة الى الآن!