الجمعة 16 فبراير 2007


ديفيد إدواردزـ ميديا لينس

أوردت الصحافة مؤخراً ان الحكومة الأمريكية تخطط لتقديم ldquo;إضبارةrdquo; تكشف بالتفصيل التورط الإيراني في هجمات على القوات الأنجلوأمريكية في العراق. ويعيد هذا الى الأذهان ذكرى ldquo;إضبارة التزييف والمراوغةrdquo; التي اختلقتها الحكومة البريطانية توطئة لغزو العراق، مما يثير مخاوف جمة من ان الأساطيل العسكرية البحرية الأمريكية التي تتدفق حالياً على الخليج من البحر الأحمر يحتمل أن تشن هجوماً على إيران.

وتأتي هذه التقارير لتؤجج أجواء الحساسية والتوتر في أعقاب الإعلان مؤخرا عن السياسة الأمريكية الجديدة المتمثلة في اعتقال أو قتل الايرانيين في العراق. وقال وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس الأسبوع الماضي: ldquo;يبدو لي أن لدينا كل الحق الشرعي في ملاحقة أولئك الذين يحاولون قتل الأمريكيين داخل العراق والنيل منهمrdquo;.

وكان جورج بوش قد أصر في خطابه حول ldquo;سبيل جديد للمضي قدماًrdquo; في العراق قبل أسبوعين على القول: ldquo;سوف نلاحق ونطارد وندمر الشبكات التي تؤمّن الأسلحة المتطورة والتدريب لأعدائنا في العراقrdquo;.

وهذا جزء من اتجاه التصعيد في لوم إيران وعزو أسباب الاخفاق إليها. وكان نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني قد حذر العام الماضي من ان إيران ستواجه ldquo;عواقب وخيمةrdquo; ان هي واصلت إذكاء العنف في العراق.

ومن السهل تفهم السبب الكامن وراء محاولات الحكومة ومساعيها لاستخدام ايران ككبش فداء عن الكارثة العظمى التي حلت بساحة العراق. فمن جهة، يساعد هذا التوجه أمريكا على التنصل من تبعات التردي ويشتت الاذهان التي توجه إصبع الاتهام الى إدارة بوش، ومن الجهة الأخرى، يرسخ أركان الخداع والتضليل الذي يذهب إلى أن الحرب على العراق وغزوه واحتلاله إنما هي بشكل أو بآخر جزء من ldquo;الحرب على الإرهابrdquo;. لكن السؤال يثور مع ذلك: ما هو الدليل على دعم إيران للتمرد العراقي؟

نشرت صحيفة ldquo;لوس أنجلوس تايمزrdquo; الأسبوع الماضي أنه على الرغم من الخطابات العدائية شديدة اللهجة فإن ادارة بوش ldquo;لم تقدم سوى أدلة واهية لتدعيم هذه المزاعم. هذا فضلاً عن ان المراسلين المصاحبين للقوات الأمريكية لم يروا علامات حاسمة أو أدلة دامغة على التورط الإيرانيrdquo;.

ويرفض المسؤولون الأمريكيون إبراز وثائق ومستندات تؤكد ضبط أسلحة إيرانية جرى تهريبها الى العراق، ومع ذلك ما يفتأ جنرالات أمريكا في العراق يعرضون صوراً لمكتشفات أخرى من الأسلحة والعتاد يزعمون أنهم استولوا عليها. فخلال غارة مداهمات شرسة اجتاحت فيها القوات الأمريكية معقلاً قوياً للمسلحين السنة مؤخرا لم تعثر سوى على مدفع رشاس واحد من بين أكداس من الأسلحة في المخابئ.

وقال السيناتور جون. دي. روكفيلر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي: ldquo;لأكون بمنتهى الصراحة معكم، يساورني قلق حالياً من أن الستارة توشك ان تزاح عن العراق مرة أخرىrdquo;. وذلك في إشارة الى المزاعم الزائفة بحيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل تمهيداً لغزو مارس/ آذار عام 2003.

كما اتهم مسؤولو الحكومة البريطانية بدورهم إيران بتزويد العراق بأجهزة تفجير متطورة جداً. وكان توني بلير قد قال العام الماضي ان ما ضبط من أسلحة كان يحمل دمغة إيران أو حزب الله، لكن الضباط البريطانيين المنتشرين في جنوب العراق قالوا انهم لم يضبطوا أو يستولوا على مثل هذه الأسلحة في المناطق التي أنيطت بهم المسؤولية عنها. وقال الرائد ديفيد جيل المتحدث باسم القوات البريطانية في البصرة الأسبوع الماضي: ldquo;لدينا معلومات استخباراتية توحي بأن الأسلحة والذخائر يتم تهريبها من ايران بشكل كثيف، إلا أننا لا ننجح دائماً في العثور على مثل هذه الأسلحةrdquo;.

واقتبست صحيفة ldquo;شيكاجو تريبيونrdquo; من كورت كامبل، مدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قوله ldquo;معظم ما نواجه من مشكلات في العراق له صلة بإخفاقاتنا وأخطائنا، هذا مقابل استراتيجية إيرانية كبرى أوسع مدى ترمي الى تدميرنا في نهاية المطافrdquo;.

ومن المفارقات في الحقيقة ان الإيرانيين يشاطرون الأمريكان بعضاً من الغايات الكبرى ذاتها في المنطقة، فالصحافة نادراً ما تتطرق الى ذكر حقائق من مثل أن الحكومة الإيرانية قدمت 300 مليون دولار من العون الى الحكومة التي تدعمها أمريكا في أفغانستان، كما انها زودت الولايات المتحدة بمعلومات استخباراتية بالغة الأهمية عن طالبان. وبالطبع فإن ملالي إيران يبغضون أشد البغض رؤية القاعدة وهي تجعل من العراق ملاذا آمنا لها. كما أن طهران لن تنتفع كثيرا من اتساع دائرة الفوضى والعنف في العراق التي قد تقود الى سيل من اللاجئين يحتشدون على حدودها. وكان لورنس كورب، وهو أحد كبار البحاثة في مركز التقدم الأمريكي، قد لاحظ أثناء الشهادة التي أدلى بها أمام الكونجرس الاسبوع الماضي، وكان يتحدث عن أن الإيرانيين ldquo;كانوا العون الأكبر لأمريكا في العراق منذ ما قبل البداية وحتى أوائل عام ،2004 حسب الوزير روبرت جيتسrdquo;.

إذعاناً للدعاية الحكومية وانغماساً في التواطؤ معها، يحجم الإعلام، على أي حال، عن الاقرار بالافتقار الى الأدلة الدامغة فيما يتعلق بالدعم الايراني للتمرد في العراق.

فقد أورد جيمس جلانز ومارك مازيتي من صحيفة ldquo;النيويورك تايمزrdquo; في 31 يناير/ كانون الثاني ان المسؤولين الامريكيين والعراقيين يعتقدون أن المهاجمين الذين استخدموا زيا أمريكي الطراز وأسلحة أمريكية لقتل خمسة جنود أمريكيين في كربلاء يوم 20 يناير ldquo;ربما يكون العملاء الايرانيون قد دربوهم ومولوهمrdquo;.

جاء هذا في تقرير إخباري يفترض ان يكون موضوعياً حيادياً ونزيهاً، ولكن تأمل في اللغة المستخدمة ldquo;حسب المسؤولين الأمريكيين والعراقيينrdquo;.. ldquo;قال المسؤولونrdquo;.. وrdquo;حذر المسؤولونrdquo;.. ldquo;قال مسؤول عراقي رفيع المستوىrdquo;.. وrdquo;قال مسؤول عراقي واسع الاطلاع على التحقيقrdquo;.. ldquo;قال مسؤول عراقي كبيرrdquo;.. وrdquo;قال مسؤول عراقي آخر رفيع المستوىrdquo;.. ldquo;قال مسؤول عسكري أمريكيrdquo;، ldquo;قال المسؤول العسكريrdquo;، ldquo;أكد مسؤولان أمريكيان في واشنطنrdquo;.. ldquo;قال أحد هؤلاء المسؤولينrdquo;.. وrdquo;قال المسؤول الثانيrdquo;.

وكانت هذه في الحقيقة هي وجهة النظر الرسمية، ولم يسمح قط بكلمة واحدة مخالفة أو رأي معارض.

وكان مقال افتتاحي في عدد 16 يناير من التلغراف قد أعلن قائلاً ldquo;اتضح منذ شهور عديدة ان ايران كانت ومنذ البداية متورطة بشكل نشط في التمرد العراقي وذلك بتزويد الميليشيات التي تستهدف القوات الأمريكية والبريطانية بالأسلحة والمقاتلينrdquo;.

فها هي الآلة الإعلامية تسخر كل جبروتها مرة ثانية وتوظف أدواتها في الغلو في إضفاء الصفات الشيطانية على الجهة المستهدفة لتجعل هذه البضاعة في أيدي الحكومتين الأمريكية والبريطانية لاستخدامها حين الطلب.

إلا أن الرأي العام أخذ يرفض بصورة متزايدة هذه الدعاية التي يعاد تسخينها وايقاد نيرانها مجددا.

فقد توصل استطلاع للرأي أجرته الاسبوع الماضي هيئة الاذاعة البريطانية الrdquo;بي بي سيrdquo; وشارك فيه أكثر من 26 ألف شخص من 25 بلداً، الى ان 68% من المستجيبين للاستطلاع مالوا الى الاعتقاد بأن الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط يحرّض على تأجيج الصراع وتوسيع نطاقه وليس على منعه أو الحد منه، في حين شعر 17% فقط بأن الوجود الأمريكي يمثل قوة تعزيز للاستقرار. ونصف مواطني العالم من البلدان الخمسة والعشرين كلها يقولون الآن بعد ان استطلعت آراؤهم ان الولايات المتحدة تلعب ldquo;دوراً سلبياً في معظمهrdquo; في العالم. ويعرب نحو 81% من البريطانيين عن عدم رضاهم عن أفعال الولايات المتحدة وتصرفاتها وسياستها في الحرب في العراق، في حين أفصح نحو 65% من الأمريكيين عن عدم رضاهم عن سياسة بوش في العراق.

إنها لحقيقة لافتة أن الأغلبية العظمى من الناس في بريطانيا وأمريكا يرفضون علانية حملة الغرب المنادية باستخدام العنف والمروجة للحرب في الخليج. وهذا بحد ذاته يقول ما تعجز عن قوله مجلدات ضخمة عن حقيقة ان الحكومات القابعة في واشنطن ولندن إنما تنتهج سياسات موغلة في خطئها وتصر على المضي في غيّها وتنفيذ مآربها واتباع مصالحها الضيقة.