السبت 17 فبراير 2007


د. سعد بن طفلة العجمي

هكذا بدأ صديقي وضيفي الأستاذ زهير الدجيلي حديثه، والدجيلي عراقي عانى مرارات الديكتاتورية، وذاق تشردها وآلامها، وعبر عن قمة معاناته في الغربة والتشرد بكلماته التي غناها سعدون جابر: quot;يا طيور الطايره، مري بهلي، ويا شمسنا الدايرة، ضوي لهليquot;.
جلست أتأمل كلمات الدجيلي محاولاً الاختلاف معه، ولكن نظرة على واقع العراق اليوم تجعلنا نقر بأن الوضع لم يعد يطاق بأي حال من الأحوال. كل من وقف مع الإطاحة بالديكتاتورية لم يكن يضمن نتائج رحيلها، لكن الكل كان متفقاً على أن الأمور مهما ساءت بعد سقوط الديكتاتور، فلن تكون أسوأ حالاً مما كانت عليه. وكواحد ممن ظنوا بهذا الوهم، فإنني أعترف بأن أحداً لم يكن يتخيل أن من قادوا التغيير قادوا العراق إلى الجحيم الذي يعيشه اليوم... فوضى، وطائفية وقتل وتهجير عرقي وطائفي، وفساد وتخلف وقهر وتعذيب، وقتل على الهوية الطائفية، أي أن الممارسات الديكتاتورية الصدامية مستمرة في عراق اليوم، وإن كانت تلبس العمامة والشماغ واللفة الكردية، ولكن جوهرها واحد، ولون الدماء فيها لم يتغير بتغير الجلادين والقتلة.
لنعترف، من أداروا العراق طيلة السنوات الثلاث الماضية، فشلوا فشلاً ذريعاً في عملهم، وأنتجوا فظائع مريعة لم تخرج عن الصدامية كثيراً، وعلى رأس هؤلاء -الولايات المتحدة الأميركية.
الولايات المتحدة الأميركية هي المسؤولة اليوم -قانونياً ودولياً وأخلاقياً- عن إصلاح الوضع المتدهور في العراق، فهي التي خلقت الفراغ السياسي، وحلَّت الجيش، وأمرت باجتثاث البعث قبل صدور قانون ينظم الأحزاب، وهي التي فتحت الأبواب للطائفيين وللصوص والتكفيريين والقتلة عبر الحدود. وهي التي سلمت العراق للمخابرات -ليس الإيرانية فحسب- بل من كل دول المنطقة الاستخباراتية. وهي التي سلمت المليارات لحكومات انتقالية شكلت على أسس المحاصصة الطائفية، وراحت تغض الطرف عن الانتهاكات البشعة لقوات وزارة الداخلية تحت قيادة بيان جبر، وتدمر أطرافاً طائفية دون أخرى، مما دفع الطائفيين إلى السير في غيهم اعتقاداً بأن أميركا تصطف مع طائفة ضد أخرى.
وقد أدركت أميركا ذلك، وهي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. وعليه طرحت إدارة بوش الخطة الأمنية، وإرسال المزيد من القوات، ولكن الخطة الأمنية الجديدة لن تنجح لأن من يقوم بتنفيذها quot;معادلةquot; أفشلت كل الخطط السابقة، وبالتالي فإن المطلوب لن يكون خطة أمنية ينفذها عشرون ألف جندي -ولا حتى مليون جندي- إن كان من يدير العملية الأمنية هم من فرطوا بالأمن بمعادلتهم الطائفية البغيضة -والمقصود هنا الجميع من الطائفيين دون استثناء.
لن تنجح الخطة الأمنية، مهما صدقت نوايا المالكي، ومهما أرسلت أميركا من قوات، فالمطلوب خلق أرضية ملائمة لتنفيذ هذه الخطة تزيل ما تراكم عبر السنوات الثلاث الماضية، وهو شعور لدى طائفيي الشيعة بأن ما يجري هو فرصتهم quot;التاريخيةquot; لحكم العراق بمساعدة quot;إلهيةquot; من أميركا الكافرة، وترسخ شعور لدى طائفيي السُّنة بأن أميركا quot;الصليبيةquot; تآمرت مع الشيعة وإيران بل وحتى إسرائيل ضدهم وضد عروبة العراق، وبالتالي فإن قناعة تعمقت لدى العراقيين العاديين بأن المسألة quot;انلاصتquot;..
يغادر العراقيون العراق بالآلاف شهرياً، بينما بقي الطائفيون من السُّنة والشيعة يقتتلون، وينهبون العراق وخيراته. وعلى أميركا أن تغزو العراق ثانية لتخليص العراقيين من هؤلاء الذين جروا العراق إلى الفوضى الدامية، وعليها أن تبدأ بالمنطقة الخضراء إن كانت تريد لخطتها أن ترى النور والنجاح.
ولعل الأخبار المتواترة عن اختفاء quot;المعتوهquot; مقتدى الصدر واعتقال بعض قيادات جيشه الطائفي بداية الغزو الجديد لإنقاذ العراق.. من يدري؟ قد تصدق أماني الدجيلي!