الأثنين 19 فبراير 2007
أحمد الجارالله
قبل يومين من لقاء رايس ـعباسـأولمرت أصر رئيس الوزراء الاسرائيلي على ان يخرب اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس, والذي أدى الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تؤدي الى تطبيع علاقات السلطة الفلسطينية مع المجتمع الدولي, ورفع الحصار الاقتصادي عن الشعب الفلسطيني.. قبل يومين ادعى أولمرت أنه اتفق مع بوش (الرئيس الاميركي) على مقاطعة حكومة الوحدة, وبعد ذلك أوضح ان هذه المقاطعة مرهونة بعدم تلبيتها الشروط الدولية. والشروط الدولية, كما اصبح معروفا, هي الاعتراف باسرائيل وباتفاقات اوسلو وما تلاها من اتفاقات لاحقة.
الذي أصبح معروفا لدى كل العالم هو ان شأن المفاوضات الثنائية مع اسرائيل, والاتفاقات السلمية المبرمة معها, عائد الى منظمة التحرير الفلسطينية والى رئيسها محمود عباس, كما كان الحال ايام الراحل ياسر عرفات, ولا علاقة لحكومة السلطة بها لا من قريب ولا من بعيد. وفي حال جدد اسماعيل هنية رئيس حكومة الوحدة الوطنية الجديدة رفضه الاعتراف باسرائيل وبالاتفاقات الدولية, فان موقفه هذا سيكون نابعا من جهة لا علاقة لها ولا صلة, وبالتالي لن يكون مؤثرا على الاعتراف ولا على مستقبل الاتفاقات.
وحتى لانغوص أكثر في توضيح الواضح وتعريف المعرف, نحب ان نشير الى الموقف الاميركي ذاته والذي تمثله كوندوليزا رايس اليوم بكل دقة, وعلى أنه موقف يدعو الى قيام دولة فلسطينية قابلة للعيش تعيش بأمان جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل... هذا الموقف الاميركي نريده ان يتظهر اليوم بقوة وبصراحة, فلا تنحاز رايس الى مخططات وأمنيات أولمرت, وتقرر التعاون معه فيما يتعلق بعدم الاعتراف بالحكومة الفلسطينية, وبالتالي إبقاء الحصار على الفلسطينيين, وسد آفاق الحلول السلمية باغلاق باب المفاوضات بادعاء عدم وجود طرف فلسطيني مؤهل يجلس على طاولة واحدة مع الاسرائيليين. أميركا هنا, وفي هذا المجال, لا يجب ان تقع في خطأ الكيل بمكيالين والوقوع في خطأ المواقف المتناقضة. وحتى لو اعتبرنا ان الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة هنية ستقع تحت تأثير المواقف raquo;الحمساويةlaquo; وترفض الاعتراف باسرائيل وبالاتفاقات, فاننا يجب ان لاننسى ان هذه المواقف المتشددة لاتلزم منظمة التحرير المعنية بالاعتراف وبالمفاوضات ولاتؤثر على سياستها. مع العلم ان أميركا لو لم تغير موقفها لجهة التعاون مع الحكومة, لن تكون منسجمة مع مبادئها لانها هنا, وفي الحالة الفلسطينية, تعاقب شعبا وتقاطعه لانه ديمقراطي, فكيف يستوي لها الامر وهي الداعية الى الديمقراطية, والى فرض العقوبات على كل من لايأخذ بها كنظام حكم ونهج حياة?
إننا نعول اليوم على موقف أميركي حازم تجاه اسرائيل, وتحديدا على موقف كوندوليزا رايس التي عليها ان توضح هل صحيح ان الرئيس بوش وأولمرت اتفقا على مقاطعة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الجديدة أم لا? لانه اذا كان امر هذا الاتفاق صحيحا يصبح مستقبل السلام في المنطقة مهددا بالكامل, وتكون أميركا بانحيازها لاسرائيل, ان حصل, قد فتحت أبواب الحروب عليها في المنطقة, وخسرت كل الحكومات المعتدلة فيها, وهددت مصالحها الحيوية في الصميم.
الظاهر في الصورة الآن ان اسرائيل لاتريد السلام, واذا استمرت واشنطن في الوقوف الى جانبها ودعمها تكون هي الاخرى لاتريد السلام, وترتكب خطيئة الكيل بمكيالين, وإعلان العداوة على كل شعوب المنطقة, وفتح دفاتر الحروب المصيرية التي لايعرف أحد, اذا اندلعت, متى تنطفئ او تنتهي.
باستطاعة رايس غدا ان تعترف باتفاق مكة, كناتج لجهود أهم دولة عربية معتدلة ومتسامحة, وأن تنفي مقاطعة بلادها لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية, وأن تعيد عجلة المفاوضات مرة ثانية الى ان يتم التوصل الى التسوية النهائية. من دون هذا الجهد المفترض ستظل الحرائق مشتعلة في العراق وفي لبنان, وستظل إمكانات المواجهة حاضرة بين الايرانيين والاميركيين, وستظل منابع النفط وطرقاته بالتالي عرضة للاحتراق والتدمير.
على رايس ان تسأل أولمرت اليوم هل يريد السلام أم لا? ذلك ان يد الفلسطينيين والعرب ممدودة بالسلام? وعلى رايس ان تفهم أولمرت وتفهم معه ان العرب لن يخسروا شيئا لا بالسلام ولا بالحرب, فلا واقعهم مشرق ومزدهر, ولا مستقبلهم مضمون. ومن جانبه على أولمرت ان يستوعب ان أطر السلام كلها جاهزة في الجانبين العربي والفلسطيني, وأن العرب يكبرون في خيار الحرب والسلم, عكس اسرائيل التي ستزداد مخاطر اللاستقرار عليها وعلى مستقبلها اذا رفضت المصالحات الكبرى والعيش بالتساوي مع سائر شعوب المنطقة.
رايس في الاجتماع الثلاثي اليوم بامكانها تظهير هذا الموقف بشكل حاد, ونقل الصورة الى الرئيس بوش بجوهرها الحقيقي بحيث تخرج عن التأييد الاعمى لاسرائيل, وتدخل في صلب التسوية العادلة والشاملة والتي ستمنع في المستقبل كل احتمالات الارهاب ومخاطره في المنطقة.
التعليقات