سميح صعب

بصرف النظر عن الايجابية التي حاولت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش ان تغلّف بها رد فعلها على قرار رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وضع جدول زمني للانسحاب من العراق، فإن هذا القرار يبقى موازياً في طبيعة الحال لقرار خوض الحرب الذي اتخذ قبل أربعة أعوام، ومن دون شك سيجعل من الادارة الاميركية مكشوفة أكثر في المواجهة المتصاعدة مع كونغرس معارض.

ولكن ما الذي حمل بلير على اتخاذ قراره في هذا الوقت بالذات، وهو الذي كان الشريك الكامل لبوش في عملية صنع قرار الحرب، لا بل الترويج لها، وصاحب نظرية ان النظام العراقي السابق كان في استطاعته استخدام اسلحة الدمار الشامل (التي تبين انها غير موجودة) في غضون 45 دقيقة. وقد ظل مدافعاً عن قرار الذهاب الى الحرب حتى بعدما تبين أن الأسباب التي شنت من أجلها في الأساس لم تكن حقيقية؟

لقد تعرض بلير لانتقادات واسعة في الداخل بسبب إصراره على عدم فك تحالفه مع بوش في العراق. وكان هذا التحالف من أبرز الاسباب التي زادت عليه الضغوط من أجل ان يتنحى عن رئاسة الوزراء لأن حزب العمال، وفقا لاستطلاعات الرأي، سيخسر الانتخابات العامة في حال خاضها الحزب وعلى رأسه بلير الذي تدنت شعبيته على نحو لافت بسبب الحرب.
قاوم بلير الضغوط التي مورست عليه من أجل الانفصال عن حليفه بوش، لا بل أنه حاول ان يجد توازناً في المنطقة بين الملف العراقي المتفجر والنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي بحيث يدفع في اتجاه تسوية هذا النزاع تعويضاً للحرب في العراق.
لكن محاولة بلير تسوية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي اصطدمت بمعارضة أميركية واضحة، وأقصى ما فعلته ادارة بوش تحت الالحاح البريطاني والاوروبي عموماً والدول العربية الصديقة للولايات المتحدة خصوصا، هو جولات وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بحثاً عن quot;أفق سياسيquot; بين الفلسطينيين واسرائيل، بعيداً من الخوض في خطة عملية تعيد إحياء المفاوضات المجمدة منذ وصول بوش الى البيت الابيض عام 2001.

طبعاً كان بلير يلحّ على ايجاد تسوية للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي باعتبار ان مثل هذه التسوية من شأنها ان تساهم في إقناع الدول العربية بمساندة اميركا وبريطانيا في تطبيع الاوضاع في العراق. غير انه تبين ان الادارة الاميركية غير مستعدة لوضع ثقلها وراء تسوية للقضية الفلسطينية. لا بل ان واشنطن لديها مقاربتها للوضع الفلسطيني التي تختلف تماماً عن أي مقاربة أخرى. فحتى اتفاق مكة لم يرضِ الولايات المتحدة والتي تعتبر ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أخطأ بالاتفاق مع quot;حماسquot;، في الوقت الذي كانت اميركا تراهن على مواجهة فلسطينية داخلية من أجل إضعافها.

ومن المؤكد ان الرفض الاميركي لتحريك المسار الفلسطيني، ليس السبب الوحيد لحمل بلير على اتخاذ قرار الانسحاب من العراق، إذ ان هناك الجدل الاميركي المتنامي لهذه الحرب والتي حملت مثلاً السناتور الاميركي السابق جون ادواردز الساعي الى الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي له لانتخابات الرئاسة التي ستجري السنة المقبلة، على الاعتذار لتصويته لمصلحة قرار الحرب عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ.

والقرار البريطاني سيضعف قدرة بوش على مواجهة الانتقادات وتبرير استمرار الوجود العسكري الاميركي في بلد يشهد صراعاً أهلياً. وقد أضعف القرار البريطاني حجة بوش ايضاً في ارسال المزيد من القوات الى العراق، إلا اذا كان الهدف من ارسال القوات والمبالغة في ابراز الايجابيات لخطة بغداد التمهيد لبدء التفكير الجدي في وضع جدول زمني للخروج من الحرب.
ومع بدء الانسحاب البريطاني، يبدو بوش أمام معطيات جديدة في العراق من الصعب ان يعوضها قرار بلغاريا ورومانيا البقاء بجانبه!