مأمون فندي
اللحظة تاريخية اليوم، بالنسبة للعرب وإسرائيل واللجنة الرباعية الدولية. عالميا نحن أمام ظروف أشبه بالتي أدت إلى ولادة قرار التقسيم عام 1947، وإقليميا نحن نشهد ميلاد ما أسميه بـlaquo;الليكود العربيraquo; (بدائرتيه الفلسطينية والعربية)، ولكي تتكرر هذه الظروف مرة ثانية، ربما نحتاج إلى خمسين عاما أخرى.
الليكود الإسرائيلي هو الذي وقع معاهدة السلام مع مصر، واستطاع أن يجر معه المجتمع الإسرائيلي إلى القبول، بإرجاع سيناء إلى المصريين. وlaquo;الليكود العربيraquo; هو الوحيد الذي سيستطيع أن يجر خلفه العرب عموما، والفلسطينيين خصوصا، إلى عملية السلام. لذا يجب على الرباعية الدولية (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا) ومعها إسرائيل، أن تتعامل بشكل جاد مع ظهور ما أسميه بـlaquo;الليكود العربيraquo;، وأعني هنا التكتل العربي غير المسبوق القادر على الاعتراف بإسرائيل وتوقيع اتفاق سلام شامل معها، والقادر أيضا على تسويق أي اتفاق للرأي العام.
ولكن بداية، لا بد أن نعرف مم يتكون هذا الليكود العربي. يتكون الليكود العربي من دائرتين: دائرة فلسطينية أضيق، ودائرة عربية أوسع تحمي الدائرة الضيقة.
ولنتعرف أولا على الليكود الفلسطيني، قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي تمثلان المعادل الفلسطيني لليكود الإسرائيلي. هذا تبسيط غير دقيق، فحركة الجهاد الإسلامي هي أقرب إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل، ذلك إذا ما نظرنا إليها بعين باردة ودونما تحيز. أما حركة حماس فهي جزء أساسي مما يمكن تسميته
بـlaquo;الليكود الفلسطينيraquo;، وأركز هنا على كلمة جزء. أما الجزء الثاني، وربما الأكبر، من laquo;الليكود الفلسطينيraquo;، فيتمثل بالوسط في حركة فتح، برجال مثل محمد دحلان ومروان البرغوثي وجبريل الرجوب، وعلى رأسهم بالطبع محمود عباس. هناك رجال مثل فاروق القدومي لا يقعون ضمن هذه الدائرة، رغم الهالة الوطنية التي تحيط بهم.
إذن، تتلون دائرة laquo;الليكود الفلسطينيraquo; بلونين من ألوان الوطنية الفلسطينية، لون إسلامي تمثله حماس، ولون عروبي تمثله فتح، مجموعهما معا يقابل ليكود مناحيم بيغن وليكود إسحاق شامير، ولكن ليس بالضرورة ليكود بنجامين نتنياهو. مركز ثقل الوطنية الفلسطينية، هو ما أعنيه عندما أتحدث عن laquo;الليكود الفلسطينيraquo;، الذي يعول عليه في توقيع اتفاق سلام، والذي يعول عليه أيضا في تسويقه.
ولنكن واضحين مع أنفسنا في ما يخص تماسك الفلسطينيين، قبل أن نحاول تسويق laquo;اتفاق مكةraquo; إلى العالم الخارجي. الحقيقة أن laquo;الليكود الفلسطينيraquo; موجود على الأرض، ولكنه حتى هذه اللحظة لم يفعل كآلة حزبية أو تنظيمية تقنع الأعداء والأصدقاء بأنها قادرة على حفظ السلام وتسويقه. وهنا يجب أن يتخذ الفلسطينيون من عملية اختيار حكومة الوحدة الوطنية أداة لبناء تكتل laquo;الليكود الفلسطينيraquo;، وهذا يستلزم اختيار حكومة وحدة وطنية أقرب إلى مركز الثقل الفلسطيني منها إلى يمين حماس أو يسار فتح. هذا ما ينتظره العالم من الفلسطينيين اليوم، فبناء كتلة laquo;الليكود الفلسطينيraquo; المقنعة لإسرائيل أولا وللرباعية ثانيا، هو التحدي الحقيقي اليوم.
وأنصح الإخوة الفلسطينيين، أن يدرسوا بإمعان ما يقوله العالم، في الغرف المغلقة عن الحكومة العراقية، بما في ذلك ما يقوله العراقيون أنفسهم. بعض العراقيين يعتبر أن إعطاء السيادة المبكر للحكومة العراقية، التي لم تنضج بعد، هو سبب أساسي للحرب الأهلية التي نراها الآن، وكثير من الجادين في العالم كانوا يعتقدون أن الفلسطينيين ضمن تمزقهم غير مؤهلين للسيادة والاستقلال، لكن ما يلحظ بعد laquo;اتفاق مكةraquo; أن سلوك القادة الفلسطينيين، على اختلاف مشاربهم، قد بدأ يتجه نحو النضوج وتحمل مسؤولية المرحلة. فحركة حماس قدمت الشكر إلى سلام فياض، بعد قبوله تسلم وزارة المالية، وكما هو معروف ففياض لم يكن بالرجل المحبوب من قبل حماس في السابق، لجنوحه دائما إلى السلام مع إسرائيل. هذا مؤشر يدل على أن هناك نغمة اعتدال في حركة حماس، وأنها بدأت تتحرك من اليمين إلى الوسط، ويحسب هذا التحرك الإيجابي لزعيمي حماس، اسماعيل هنية وخالد مشعل. ورغم عدم اتفاقي مع آيديولوجيا الحركات الدينية، إلا أن المحلل السياسي يبني قراءته للأحداث، كما تعكسها الوقائع على الأرض، تاركا تحيزاته الشخصية جانبا.
ويحسب لحركة فتح أيضا أنها أبدت مرونة غير مسبوقة في مكة، حيث استطاع محمود عباس أن يدفع بقيادات فتح من اليسار العروبي إلى الوسط (العربوإسلامي)، إلى مساحة laquo;الليكود العربيraquo;.
السعي السعودي في الشأن الفلسطيني اكتمل في laquo;اتفاق مكةraquo;، فالاتفاق رسالة واضحة بأن السعودية، وهي مركز الثقل العربي المالي والديني والقومي، معنية جدا بالوصول إلى حل للقضية الفلسطينية، وأن مبادرة السعودية في عام 2002، التي أمنت عليها الدول العربية في بيروت، لم تكن بالونة اختبار، وإنما كانت التزاما حقيقيا من جانب الدولة السعودية، تبعته خطوات عملية جادة، آخرها كان التوصل إلى اتفاق بين الفصائل الفلسطينية المتصارعة في مكة المكرمة. laquo;اتفاق مكةraquo;، الذي صالح بين الحركتين الفلسطينيتين الكبريين، فتح وحماس، اللتين كانتا قاب قوسين أو ادنى من حرب أهلية مدمرة، آتى أهم ثماره، وهو خلق ليكود فلسطيني مكون من (يمين) فتح، و(وسط) حماس.
أما الدائرة العربية الثانية الأوسع لـlaquo;الليكود العربيraquo;، التي تحمي الدائرة الضيقة، أي الليكود الفلسطيني، فهي لا تتكون، كما يظن البعض، من الأصوات العالية التي نسمعها في الفضائيات، فجميعنا يعرف أن نجوم الفضائيات لا يملكون إلا أصواتهم، ولولا حماية كفيل حقيقي لعلقوا من أقدامهم بعد انتهاء جولاتهم البطولية على الشاشات.
الليكود العربي تمثله قوى حقيقية، لها قواعد شعبية قبلية أو إسلامية، تربطها علاقات دم أو عصبية، هذا ما نراه في دول الخليج مثلا. فالحركات الإسلامية إن لم تعززها عصبية وعلاقات دم تظل محدودة التأثير، وكذلك تمثله الدول العربية المستقرة التي لديها أجهزة أمنية قوية وجيوش قادرة على حسم الأمور عند الضرورة، حالة الأجهزة الأمنية القوية نجدها في كل من سورية والأردن، وحالة الجيش القوي نجدها في مصر.
إذن، ليكودنا هو دول الخليج مضافة إليها مصر والأردن وتونس والمغرب، وربما سورية، التي تبدو معزولة الآن. وبذا تكون دائرة laquo;الليكود الفلسطينيraquo; المحمية بالدائرة الأوسع من laquo;الليكود العربيraquo; قادرة بدون شك على القيام بعملية سلام تسوقها وتنفذها وتحميها.
لا يمكن إغفال الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول الإسلامية ذات الثقل، مثل باكستان وتركيا وإندونيسيا وماليزيا، في خلق جو إقليمي ودولي يسمح بتقوية laquo;الليكود العربيraquo;. ويبقى لقاء وزراء الخارجية العرب بنظرائهم من الدول الإسلامية في إسلام آباد مهما ضمن هذا التصور الأوسع، وربما يمهد للقاء مكة الثاني.
المؤشرات إيجابية، وتدل على أننا نتجه نحو تشكيل هذا الثقل العربي، فلسطينيا وعربيا، فنحن الآن أمام فرصة نادرة أدت إلى ظهور التحالف العربي، المتمثل في دول الاعتدال المشرقية، مضافة إليها تونس والمغرب. المطلوب من هذا التحالف ألا يضيع فرصة الأجواء الدولية الحالية المهيأة والمشجعة، وعليه أن يكون جريئا وحاسما وألا يتردد أمام غوغائية الشارع، التي لم تجد نفعا طيلة السنوات الخمسين التي خلت.. والمطلوب بالمقابل من إسرائيل واللجنة الرباعية الدولية أن تنظر نظرة جادة إلى هذا الثقل الفلسطيني والعربي، وأن تجهز نفسها هذه المرة للتعامل مع laquo;الليكود العربيraquo; (بدائرتيه) القادر على التوقيع على اتفاق السلام، والقادر أيضا على تسويقه وحمايته. هذا يتطلب وضوحا وجلاء في الطرح لا يقبل الشك، فالرسالة الأولى التي على اللجنة الرباعية الدولية أن ترسلها إلى laquo;الليكود العربيraquo;، هي أنها تهدف إلى الحل (Conflict Resolution)، وليس إلى عملية إدارة الصراع (Conflict Management)، والمسماة مجازا بعملية السلام.
التعليقات