الخميس 1 مارس 2007

محمد الحمادي


عصابة فرنسية أرسلت عملاءها لقتل أولئك الفرنسيين انتقاماً لثأر عائلي قديم... أو شركة منافسة لشركة المهندسين اللذين قتلا أرادات أن تعزز من فرص نجاحها في السعودية فاستأجرت قتلة محترفين لقتل أولئك الرجال... أي أنها عملية قتل بدافع الانتقام أو حتى بدافع السرقة أو أي سبب آخر، المهم ألا تكون عملية إرهابية ضد الأجانب فقط لأنهم أجانب وغربيون... هذا ما أتمناه في جريمة قتل الرجال الفرنسيين الأربعة يوم الاثنين الماضي بالقرب من المدينة المنورة... وما تزال هذه الأمنية باقية إلى أن يتم كشف الحقيقة كاملة.
كل العالم يريد أن يعيش بسلام ما عدا تلك الفئة الضالة التي حملت السلاح ولا تريد تركه إلا بعد أن تشرب من دم الأبرياء وتقتلهم بسبب أو بدون سبب ويكفي أن يكونوا شقراً وحمراً حتى يكون دمهم حلالاً؟!
العملية الإرهابية التي شهدتها المملكة العربية السعودية منذ أيام وراح ضحيتها أربعة رجال فرنسيين، تدل من جديد على خطورة وسوء الطريق الذي تسير فيه تلك الفئة التي تعتبر نفسها مجاهدة... مؤمنة... سائرة على النهج الصحيح ومطبقة لتعاليم الإسلام الحنيف وهي أبعد ما تكون عن هذه الأمور بل هي أقرب ما تكون إلى طريق الشيطان إن لم تكن تسير عليه أصلاً...
كنا نتمنى أن تكون السنوات التي مضت والأحداث الكثيرة التي شهدتها المنطقة والعالم أعادت إلى أولئك المتطرفين شيئاً من صوابهم وعرفتهم بأن ما يقومون به منافٍ لكل دين وعقيدة وأخلاق وقواعد إنسانية... فالحرب التي يشنونها على الغرب وكل ما هو غربي هي حرب غير شريفة... وإن كانت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية قد ظلمت وتمادت في الظلم فإن هذا لا يعني أن يكون العقاب جماعياً ضد جميع الشعوب الغربية... وهذا ما علمنا الإسلام إياه وهذا ما تؤكد عليه تعاليم دين الرحمة.
أربعة فرنسيين ماتوا في غمضة عين فقط لأن بعض المتطرفين والمتحمسين والغاضبين رأوا أنهم أجانب فأرادوا أن ينتقموا quot;لأنفسهم ولأمتهمquot; -حسب اعتقادهم- وبجهلهم نسوا أو تناسوا أن هؤلاء ضيوف بعضهم مسلمون وبعضهم أهل ذمة كان عليهم أن يحموهم بدلاً من أن يقتلوهم، فهذا ما تأمرنا به تعاليم الإسلام وما تمليه علينا عادتنا وأخلاقنا العربية فليس من الرجولة والشجاعة قتل أناس جاءوا إلى أراضينا ليعيشوا ويعملوا في دولنا ويتعرفوا على ديننا..
من الواضح لكل مراقب أن عام 2006 كان مميزاً وحافلاً بالأحداث بالنسبة للإرهاب، ولما يسمى الحرب على الإرهاب، تلك الحرب التي أعلنتها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش منذ اليوم الأول لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001... وقد بدأ عام 2006 برسالة صوتية لأسامة بن لادن، وذلك بعد عام من الغياب عن وسائل الإعلام، الأمر الذي أثار الشكوك حول ما إذا كان على قيد الحياة أم لا... وquot;القاعدةquot; كانت موجودة في أحداث عام 2006 بشكل مباشر في العراق وربما غير مباشر في أفغانستان في المعركة بين quot;طالبانquot; وقوات الاحتلال المشكلة من الولايات المتحدة وقوات حلف الأطلسي... كما أنها لم تكن بعيدة عن التفجيرات التي استهدفت منتجع دهب السياحي في شبه جزيرة سيناء المصرية في مايو.
وتشير أحدث التقارير الصادرة في 2007 وخلال الأيام القليلة الماضية إلى عودة بل تزايد نشاط quot;القاعدةquot; في بعض دول العالم وهناك تحذيرات صدرت من بعض الدول الغربية لرعاياها من أية أعمال إرهابية محتملة إلا أننا كنا نلاحظ أن وتيرة الأعمال الإرهابية قد انخفضت خلال الأشهر الماضية وكنا نتوقع أن تستمر في الانخفاض سواء في السعودية والمنطقة العربية أو في الدول الغربية... إلا أن العملية الأخيرة -إذا ما كانت إرهابية- تعيد الأمور إلى نقطة البداية من جديد.
الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية في احتواء خطر المجموعات الإرهابية داخل المملكة كبيرة ومحل تقدير... وكذلك الجهود التي بذلتها دول المنطقة لم تكن جهوداً بسيطة، ولكن كل تلك الجهود كنا ننتظر أن تأتي بنتائج مطمئنة بحيث تحد من نشاط تلك المجموعات الإرهابية بشكل كبير... إلا أن عودة الإرهابيين من جديد لممارسة هوايتهم في القتل والتفجير تدل على أن الأمور لا تسير في الطريق الصحيح فيما يتعلق بالجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتوقعات الأخيرة بتنفيذ عمليات في المغرب أو في دول غربية يزيد من المخاوف من أن تلك المجموعات ما تزال تحتفظ بقوّتها، وبالتالي فإن القضاء عليها أو حتى احتواءها لم يتم بالشكل المطلوب، وبالتالي أيضاً فإن صمودها ووجودها طوال السنوات الماضية وإن لم تنفذ أية عملية يعطي مؤشراً على مدى قدرة تلك المجموعات على المحافظة على نفسها وبناء قوتها من جديد والظهور مرة أخرى ربما بشكل أقوى وأعنف.
من المنطقي أن نسمع الأصوات التي تنادي بالبحث عن حلول أخرى للتعامل مع الإرهابيين وطريقة احتواء عنفهم وفكرهم المتطرف، وقد يكون من الجيد الاستفادة من تجارب الآخرين الذين عانوا من الإرهاب في السابق ومنهم على سبيل المثال بعض دول أوروبا عندما تعرضت ديمقراطياتها لخطر الإرهاب اليساري المتطرف قبل ثلاثة عقود من قبل منظمة quot;الجيش الأحمرquot; -تسعى إلى تكوين جبهة أوروبية مضادة للرأسمالية- ففي ألمانيا لم تلجأ الحكومة إلى مواجهة العنف بالعنف، بل تصدت لخطر لإرهاب بالوسائل التي تسمح دولة القانون باستخدامها ونجحت في استئصال ذلك العنف نهائياً... بل وصلت إلى مرحلة متقدمة أخرى حيث قرر القضاء الألماني الإفراج عن القيادية السابقة في منظمة الجيش الأحمر quot;برجيتا مونهاوبتquot;.. على الرغم من أن تلك الحركات اليسارية المتطرفة قامت بأعمال إرهابية ليس فقط في ألمانيا، بل أيضاً في بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا. ووصلت هذه الأعمال الإرهابية إلى حد اختطاف رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق quot;آلدو موروquot; عام 1978 على يد منظمة quot;الألوية الحمراءquot; الإيطالية وقتله، الأمر الذي تسبب في اهتزاز كيان المجتمع الإيطالي حينها.
صحيح أن قرار الإفراج أثار جدلاً حاداً في ألمانيا حول كيفية التعاطي مع الإرهابيين السابقين الذين هددوا كيان الديمقراطية الألمانية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي... إلا أنه كان قراراً نابعاً من قناعة بأن العنف لا يواجه بالعنف... وكانت نتيجة التعامل بهذه السياسة أن قامت المنظمة بحل نفسها في عام 1990 بعد أن أعلنت فشلها واعترفت بأن نضالها quot;غير مُجدٍquot;. كما تحول بعض أعضاء وقيادات الجيش الأحمر إلى العمل السياسي السلمي والعمل في إطار مؤسسات الدولة الديمقراطية... وبلاشك فإن هذا ما تسعى إليه أية دولة تعاني من مشكلة الإرهاب الداخلي.