الجمعة 2 مارس 2007
د. رياض نعسان أغا
حين تتقدم الولايات المتحدة خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح يشعر العالم كله بالارتياح، وتبدو الخطوة الراهنة في توجه الولايات المتحدة إلى التباحث حول العراق مع سوريا وإيران بالإضافة إلى دول الجوار والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن توجهاً مرحباً به لدى كل الساسة والمراقبين وفي منطقتنا بخاصة على الرغم من بعض التصريحات الأميركية التي حاولت أن تحد من تفسير الخطوة، وأن تميزها عن سمة المفاوضات، مما يوحي بنوع من التردد الأميركي في اتخاذ القرار الذي فسره المراقبون بأنه انعطاف مهم في سياسة الولايات المتحدة. ولم يكن مفاجئاً أن يرحب بهذه الخطوة جيمس بيكر (وأن يطلب المزيد ) لأن تقريره -مع هاملتون- نصح بالتوجه نحو الحوار الذي بات المخرج الوحيد من الأزمات المعقدة التي تتجه بالعالم نحو حرب عالمية مدمرة. وقد جربت الولايات المتحدة نهج الحروب والتدمير فلم تحقق غير الكراهية لسياساتها وبات وجهها الحضاري الذي أحبته الشعوب مطلع القرن العشرين وجهاً بشعاً يثير الخوف من جنون القوة ومن حماقة صناع الحروب، وقد آن أن يتقدم العقل والمنطق بعد أن أشبع عشاق الدم شهواتهم للخوض في دماء الأطفال والشيوخ والنساء من المسلمين والعرب بخاصة، فضلاً عن قتل الشباب وتدمير مستقبلهم وأوطانهم، وملء قلوبهم بالحقد والبغض والرغبة في العنف والانتقام.
ولقد آن أن يدرك صناع القرار في الولايات المتحدة أن شعوب المنطقة لا تقاد بالقوة العسكرية مهما كانت عنيفة ومدمرة وطاغية، وحسبهم أن يقوّموا نتائج حربهم على العراق، ونتائج سياسة العنف والإرهاب التي تنتهجها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ونتائج حربها العدوانية على لبنان التي لم تحقق من أهدافها سوى التدمير، وقد قام بهذا التقويم عدد كبير من السياسيين والمفكرين الأميركان وأعلنوا رفضهم لهذه السياسة التي وسعت دائرة الإرهاب بدل أن تكافحه، وأفقدت الشعوب أمنها واستقرارها بدل أن تعزز الأمن والاستقرار، وقدمت أسوأ النماذج لما سمته الديمقراطية، بل وضعت الولايات المتحدة في موقف محرج ومخجل تاريخياً، حين رفضت نتائج الديمقراطية التي أشرفت هي بنفسها على مصداقيتها في فلسطين، لمجرد أنها لا ترضي إسرائيل. ونحن في ترحيبنا بالخطوة الصحيحة نود أن تتشجع الولايات المتحدة، وأن تعيد النظر في سياساتها، وألا يخجل قادتها من الاعتراف، ولو أمام أنفسهم، بأن نهج الوعيد والتهديد وشن الحروب لم يجلب سوى الفوضى التي أتاحت للإرهاب أن يجد أرضاً خصبة له، وأن يجد مبررات فكرية يدعمها التطرف الذي بات ردة فعل يصعب كبحها في مناخ القتل الجماعي اليومي الذي بات خبراً مفجعاً يتدفق كل لحظة عبر وسائل الإعلام التي تكاد تنقل رائحة الدم الذي صار أنهاراً.
وعلى الرغم من تفاؤلي بالخطوة الصحيحة فإنني أخشى أن تسارع إسرائيل إلى عرقلتها، وإلى وضع العقبات أمام الرغبة الدولية في تطور المباحثات المحدودة إلى حوار شامل يتناول كل المشكلات ويبحث لها عن حلول عادلة وقابلة للحياة والاستمرار. فإسرائيل تريد أن تبقى الولايات المتحدة غارقة في بحر الدم، كي تستمر في ابتزازها سياسياً وعسكرياً ومادياً، ولم يعد يخفى على أي مواطن أميركي أن بلاده تخوض حروب إسرائيل، وأنها لا تحقق أية مصلحة خاصة لأميركا التي بوسعها أن تحقق مصالحها بالدبلوماسية وبتبادل المصالح مع دول وشعوب المنطقة، ولا أحد سيرفض التعاون معها ما دام يجد مصلحته فيه، ولكنني مع هذا الحذر أشعر بأن دواعي التفاؤل بنتائج إيجابية للقاء المرتقب أكبر بكثير من الحذر والشك بجدوى التفاؤل.
ونحن في سوريا نشعر بطمأنينة كبيرة على الرغم من التكهنات التي تطلقها بعض وسائل الإعلام التي تحذر من وجود خطة أميركية لضرب سوريا في الصيف القادم، وهذه التكهنات تتكئ على بعض التصريحات الإسرائيلية وتستنتج أن إسرائيل تستعد لحرب في الصيف القادم تستعيد عبرها هيبتها ومكانتها العسكرية في المنطقة بعد أن خسرتهما في حرب الصيف الماضي على لبنان. بل إن بعض المقالات في وسائل الإعلام تحذر سوريا من أن يكون التهديد المعلن لإيران، بينما خطة الحرب تطبخ ضد سوريا. وعلى صعيد تحليل سياسي لا أجد مبرراً موضوعياً لهذه التحليلات، وأستبعد أن تغامر إسرائيل بحرب، كما أستبعد في الوقت ذاته أن تمضي نحو مفاوضات السلام، لأن إسرائيل تعيش أزمة غير مسبوقة في تاريخها على الرغم من كونه صغيراً ومحدوداً، فقد أدركت بعد تجربة الوعد الصادق أن عصر الحروب دون خسائر ضخمة قد انتهى، وهي في ذات الوقت لم تنضج سياسياً وفكرياً لقبول العيش بسلام مع العرب وللتنازل عن المشاريع التوراتية التي يؤكد تعلقها بها تعلقاً إيديولوجياً ما تفعله من تدمير للمسجد الأقصى، وما تقوم به من حصار ظالم للشعب الفلسطيني فضلاً عن سلسلة الهجمات و الاعتقالات اليومية في كل أنحاء فلسطين.
وتدرك إسرائيل أن ما كانت تظنه من قدرتها على عزل سوريا دولياً بات وهماً، فقد أثبتت سوريا للمجتمع الدولي أنها ذات دور فاعل لا يمكن تجاهله، وأن من كان يفكر بعزلها وجد نفسه هو المعزول، وسر نجاح سوريا في تحقيق علاقات دولية ذات شأن هو مصداقيتها في مواقفها ووضوح سياستها وإصرارها على أهداف تؤيدها الشرعية الدولية، وإعلانها المستمر بأنها تريد حلولاً سلمية شاملة وعادلة للصراعات والمشكلات القائمة في المنطقة وفق قرارات الأمم المتحدة، ووفق ما بنيت عليه مفاوضات السلام في مدريد.
ولئن كنتُ أتوجس من حماقة صناع قرار الحرب وإصرارهم على إغراق المنطقة بالدم، فإنني أخشى أن تصر إسرائيل على حرب ضد إيران، وهذا ما تشي به خطة إسرائيل والولايات المتحدة من خلال التحريض اليومي على توصيف المنطقة بأنها دول سُنية وأخرى شيعية، ومن خلال إثارة الفتن عبر الجرائم التي يرتكبها عملاء الموساد في العراق، وهي جرائم تستدعي ردود فعل من ذات السمة، وهدفها الحصول على تأييد لحرب ضد إيران، وهذا ما لا يمكن أن يحدث، لأن المسلمين قد يتصارعون فيما بينهم، ولكنهم يتحدون ضد العدو الخارجي. وعلى إسرائيل أن تقرأ موقف المسلمين من حربها على quot;حزب اللهquot; الذي يحظى بـتأييد إسلامي دون النظر إلى المذهب الديني، وهذا ما يعني أن أي حرب على إيران ستكون حرباً على المسلمين جميعاً.
ولست متشائماً في الاحتمالات حول إيران، لأنني أعرف عن قوة إيران واستعدادها لأية مواجهة محتملة ما يدعوني إلى أن أطمئن على النتائج، لكنني أدعو الله أن يجنب بلادنا جميعاً شر الحروب والدمار، لأن ساحة الحرب إن حدثت لن تقتصر على إيران بل ستكون حرباً بلا حدود. ويبدو أن الاحتمالات الإعلامية حول الحرب في الصيف القادم ستشهد تغيراً إيجابياً إذا نجحت الخطوة الصحيحة التي ستخطوها الولايات المتحدة في اللقاء القادم حول العراق، ونرجو أن يجد المحاورون من الولايات المتحدة ما يدعوهم إلى اعتماد لغة الحوار بديلاً عن لغة الدمار.
التعليقات