السبت 3 مارس 2007

غازي العريضي

في قاموس السياسة اللبنانية اليوم مصطلحات وكلمات يقولها البعض دون أن يفكر في أبعادها ومضامينها ومخاطرها وربما عن غير قصد، في سياق رد فعل انفعالي على تأزم أو شعور بالفشل أو الضعف أو الإفلاس. وإذا حصل ذلك عن قصد وسابق تصور وتصميم، فإن البعض الآخر من الساسة أو المعلِّقين لا يقف عند تلك المصطلحات والكلمات، فيتجاوزها دون التعليق على مضامينها ومخاطرها، أو يرد عليها بالأسلوب ذاته. وهذا شيء خطير من جهة، وتعبير عن حالة الجمود الفكري والسياسي من جهة أخرى. وثمة من يرفع شعاراً لا يستطيع الدفاع عنه، وإذا نجح في ذلك، فهو يحتكره لنفسه، ويحرم غيره منه، وفي ذلك ابتعاد كلي عن الحرية والديمقراطية في القول والممارسة وعن مضمون الشعار ذاته أيضاً!

أقول ذلك، وقد لفتني أكثر من موقف وكلام خلال الأيام الماضية، إذ سمعت أحد أركان المعارضة اللبنانية النائب العماد ميشال عون يقول: quot;مسألة المشاركة التي نطالب بها ليست مسألة شيعية. فالشيعة مشاركون في الحكومة. إنها مسألة مشاركة مسيحية لأن المسيحيين غير مشاركين فعلياً في الحكومة والقرارquot;. على أساس أنه يعتبر أن المسيحيين المشاركين في الحكومة لا يمثلون إلا نسبة قليلة جداً جداً من المسيحيين. ومن حقه أن يفكر هذا التفكير وأن يعلن عنه.

ثم سمعت معارضاً آخر يقول (الوزير طراد حمادة): quot;ثمة من لا يعترف بحقوقنا في المشاركة كشيعة. ووجودنا خارج الحكومة جريمة تساوي جريمة اغتيال الرئيس الحريريquot;!

أنا أحترم حق كل زعيم وقائد ومسؤول سياسي ومواطن لبناني في التعبير عن مشاعره وأفكاره ومشاريعه وأحلامه وطموحاته. وحق استخدام الوسائل الديمقراطية للوصول إلى أهدافه، لكنني أشدد دائماً على المعيار في التعامل مع الذات ومع الآخر. ولذلك أتوقف عند مسألة المشاركة مع اقتناعي بأنه ليس ثمة أحد يرفض مشاركة الشيعة أو المسيحيين تمثيلاً تاماً في الحكومة وفي صنع القرار.

بل أكثر من ذلك أقول في سياق البحث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية: مثل هذه الحكومة لا تقوم إلا بمشاركة حقيقية للجميع. جميع الممثلين الحقيقيين للبنانيين في طوائفهم، وللأسف هذا هو واقع التمثيل إلى حدود بعيدة اليوم، وهذا يتطلب اتفاقاً سياسياً حول المسائل الرئيسة في البلاد وتكون قاعدة لهذه الحكومة. لكن عندما نخاطب المعارضة كمعارضة ونتحدث عن المشاركة ثمة أمران ينبغي الوقوف عندهما, الأول: وفي سياق ما ذكر، ليس ثمة وضوح في الموقف، بل ثمة تناقض بين الشركاء في المعارضة أنفسهم. إذ أن ثمة من يطرح مسألة المشاركة من زاوية عدم مشاركة المسيحيين حالياً، وثمة شريك آخر يقول إن المشكلة في رفض مشاركة الشيعة! والأمر الثاني يندرج في إطار السؤال: ما هو معنى المشاركة؟ زيادة العدد أم الشراكة الحقيقية في القرار؟ وبالتالي كيف تولد هذه الشراكة؟ إن الفريق الذي يطالب بالمشاركة في القرار هو المطالب بإشراك شريكه والاعتراف بحقه والسبب: إن كل القرارات التي اتخذت في الحكومة منذ تأليفها وحتى استقالة وزراء quot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot;، اتخذت بالإجماع، أي بمشاركة حقيقية في كل المراحل، قبل الحرب وخلالها وبعدها، باستثناء قرار إنشاء المحكمة الدولية، ثم قرار الموافقة على مسودة مشروع إنشائها ونظامها الداخلي مع العلم بأن الدستور اللبناني يؤكد أن القرارات تتخذ بالتوافق، وإذا لم يكن توافق يكون التصويت. ولذلك فإن الفريق المستقيل اليوم والمطالب بالمشاركة مدعو إلى إشراك الفريق الآخر معه عندما يتخذ قرارات من جانب واحد. إذ ثمة من يسأل في لبنان: ألا يحق لنا أن نكون شركاء في تحديد الخيارات الاستراتيجية للبلد؟ ألا يحق لنا أن نتفق في التكتيك والاستراتيجية حول الأساليب والوسائل التي يجب اعتمادها لاستعادة ما تبقى من أرض محتلة وتحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية؟ لاسيما وأن ثمة دولاً أخرى في محيطنا (سوريا) لديها أرض محتلة أكبر من الأرض اللبنانية المحتلة وعدد كبير من الأسرى، ولا تعتمد المقاومة العسكرية ولا تشن حروباً بل اختارت الدبلوماسية وquot;الممانعةquot; السياسية والفكرية والأدبية والإعلامية على أرضها والعسكرية على أرض لبنان؟ والذين ينحازون إلى خيار المقاومة العسكرية دائماً يشيدون بهذا النوع من الممانعة السورية، ولا يشيرون بكلمة إلى الاتصالات السورية- الإسرائيلية خلال فترة الحرب الأخيرة على لبنان، بل يتهمون شركاءهم في الوطن بالارتباط بالأميركي والإسرائيلي؟

كذلك هل يساوي إخراج الرئيس الحريري ورفاقه من الحياة بقرار من القتلة والإرهابيين وباغتيالهم ، قراراً ذاتياً اتخذه البعض للخروج من الحكومة؟ وهذه المساواة تطرح بين مَن ومَن؟ أبين الإرهابي الذي ارتكب جريمة الاغتيال فأخرج الحريري من الحياة وأدخل البلاد في مسلسل الأزمات والجرائم والفتن، وبين الذي أتخذ طوعاً -وخطأ أقول- قرار الخروج من الحكومة؟

وفي السياق ذاته، قال معارض آخر، (النائب محمد رعد): quot;إن لبنان إما أن يكون وطناً حُراً سيداً مستقلاً أو لا يكونquot;! في الواقع لفتني كثيراً هذا الكلام. وأنا طبعاً مع النائب رعد في أن يكون لبنان حراً وسيداً ومستقلاً من كل وصاية عربية أو غربية أو إسلامية، ومن كل محاولة هيمنة أو استخدام لأرضه، وأن نكون كلبنانيين مغلِّبين لموقفنا ومصالحنا الوطنية على أي اعتبار آخر، لكنني تساءلت عندما سمعت هذا الموقف: لنفترض أن وطننا مر في مرحلة معينة تحت الاحتلال، وبالتالي لم يعد قراره سيداً حراً ومستقلاً، ألا يبقى وطننا؟ ولنفترض أن وطننا خضع في مرحلة معينة لوصاية، ألا يبقى وطننا أيضاً؟ ألا نعمل، كما عملت المقاومة لتحريره وبالتالي تحرير قراره لأنه وطننا ويجب أن يبقى وأن يكون؟ إذاً كيف يمكن إطلاق مثل هذا الموقف؟ أنا أفهم أن يُقال، أن نكون نحن أو لا نكون، أي أن نعيش أحراراً من أجل وطن حُر وسيد ومستقل أو نكون شهداء لأننا نرفض الذل؟ ولكن هل يمكن أن نقول: إما أن يكون الوطن كذا وكذا أو لا يكون؟

وكأن ثمة من يقول: إما أن يكون الوطن على قياسنا وعلى قياسنا لمفهوم الحرية والسيادة والاستقلال، وإما لا يكون كل الوطن فنضحي به ولا أعتقد أن هذا هو هدف المقاومة؟ ولذلك ينبغي التوقف عند كل كلمة تُقال وعند كل تصريح لأنه ينبغي أن نكون نخاطب العقول لا الغرائز وفي كل الحالات، علينا أن ندرك معنى المسؤولية وحجم المسؤولية لا أن نذهب في اتجاه بث السموم والتنافس والمبارزة في من يمكن أن يسمم الأجواء والنفوس أكثر، وفي من يملك القدرة على الخبث والمكر والحقد أكثر، لأن ذلك يدمر لبنان. وليصنْ كل واحد لسانه قبل أن ينطق بكلمة!