السبت 3 مارس 2007

هيلين كوبر ـ واشنطن بوست

وافقت الولايات المتحدة على عقد اتصالات على مستوى عالٍ مع كل من إيران وسوريا والبدء في اتخاذ خطوات تقود إلى اعتراف دبلوماسي رسمي بكوريا الشمالية. فهل خففت إدارة بوش من لهجتها تجاه أعدائها التقليديين؟ بالرجوع إلى الثاني عشر من شهر يناير الماضي نجد وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تكرر نفس ثوابت السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش الرافضة لإسباغ الشرعية على إيران وسوريا وكوريا الشمالية عبر الدخول معها في حوار دبلوماسي، طالما تصر هذه الدول على مواقفها الراهنة وترفض تقديم تنازلات حول القضايا المتنازع عليها. وهكذا صرحت quot;رايسquot; أمام هيئة من أعضاء مجلس الشيوخ في دفاعها عن موقف الإدارة الأميركية إزاء إيران وسوريا قائلة quot;إنها ليست دبلوماسية، إنما هو ابتزاز واضحquot; في إحالة إلى دعوات البعض إلى الدخول في حوار مع إيران وسوريا. وقد أصر مسؤولون في الإدارة الأميركية يوم الأربعاء الماضي على أن الانفتاح الأخير الذي تجلى في موافقة البيت الأبيض على مشاركة إيران وسوريا في النقاش حول العراق لا يعني أبداً تغيير السياسة الخارجية.

فقد أكد quot;توني سنوquot;، المتحدث باسم البيت الأبيض quot;عدم وجود شرخ، أو تغيير في السياسة الخارجية، رغم اعتقاد العديد من الأشخاص أن مشاركة الولايات المتحدة في اجتماع إقليمي حول العراق هي بمثابة تغيير في السياسة الخارجيةquot;. هذا الرأي عارضه عدد من خبراء السياسة الخارجية منتقدين للإدارة الأميركية في الكونجرس، فضلاً عن دبلوماسيين سابقين ممن رأوا في التحرك الأخير للإدارة الأميركية وانفتاحها النسبي على سوريا وإيران اعترافاً منها بالقيود التي تفرضها على نفسها جراء امتناعها عن الحديث مع خصومها. ويجدر بالإشارة في هذا السياق ما أعلنته وزيرة الخارجية من أن الانفتاح على طهران ودمشق يأتي ضمن quot;مبادرة دبلوماسيةquot;. وحسب quot;دانيال سيرويرquot;، وهو نائب رئيس quot;معهد السلامquot;، ودبلوماسي سابق عمل مديراً تنفيذياً في مجموعة دراسة العراق: quot;لا تكمن المسألة فيما إذا كان محور الشر قد اختفى، أو أنه مازال على قيد الحياة، بقدر ما تكمن في المفهوم نفسه، وما إذا كان مازال قابلاً للتطبيق اليوم. فبالنسبة لي لا يوجد مانع من الحديث إلى أي كان للدفع بالأمور إلى الأمامquot;.

يشار إلى أن الإدارة الأميركية لطالما تنازعتها الصراعات بين مؤيدي quot;إشراك دول محور الشرquot;، كما يعبر عن ذلك دبلوماسيون داخل وزارة الخارجية، وفي بعض الأحيان quot;كوندوليزا رايسquot; نفسها، وبين الأصوات الداعية لعزل الأعداء ممثلة في نائب الرئيس ديك تشيني، والسفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة quot;جون بولتونquot;. وبينما امتلك أصحاب فكرة عزل الأعداء وعدم التحدث معهم اليد الطولى على امتداد الفترة المؤدية إلى حرب العراق والسنوات القليلة اللاحقة، إلا أن الانتخابات التشريعية لشهر نوفمبر الماضي، إلى جانب الفوضى التي تجتاح العراق حالياً أعطت زخماً نوعياً لأصحاب الحلول الدبلوماسية وأفسحت المجال لأصوات غير تلك التي اعتادت عليها إدارة الرئيس بوش. وبهذا الخصوص أكد أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية وجود تغيير داخل أروقة البيت الأبيض بعدما تبين ما يمكن أن يثمر عنه الاتصال بالأعداء كما ظهر في حالة كوريا الشمالية.

وقد بدا الأمر خلال حفل للعشاء ومحاضرة نُظما ليلة الثلاثاء الماضية في مكتبة الكونجرس، وكأنه اجتماع لمؤيدي إشراك سوريا وإيران. فقد جلس في الصف الأمامي وزير الخارجية الأسبق quot;هنري كيسنجرquot; وإلى جنبه نائب وزيرة الخارجية quot;جون نيجروبونتيquot;، فضلاً عن quot;روبرت جالوشيquot;، المفاوض السابق للولايات المتحدة مع كوريا الشمالية. ويبدو أن الاجتماع كان فرصة للقاء السياسيين والدبلوماسيين من دعاة الواقعية السياسية من أمثال وزير الخارجية الأسبق quot;جيمس بيكرquot; الذي قال أمام الحضور quot;إن على أميركا أن تستعد للتحدث مع أعدائهاquot;. ورغم الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها وزيرة الخارجية quot;كوندوليزا رايسquot; على أيدي quot;المحافظينquot; من المتشددين سواء داخل الإدارة، أم خارجها، فإن علاقاتها الوثيقة مع الرئيس بوش جعلتها أكثر قدرة على الدفع قدماً بسياسة الإشراك داخل البيت الأبيض.

فبعد أن ضغطت كوندوليزا رايس لاستصدار قرار من مجلس الأمن يفرض عقوبات على بيونج بانج إثر إجرائها تجربتها النووية في شهر أكتوبر الماضي عادت بعد ثلاثة أشهر لتطالب الرئيس بوش من ألمانيا التي كانت تزورها بعقد اتفاق مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي. وبإقدامها على ذلك تجاوزت quot;رايسquot; عدة خطوات داخل الإدارة الأميركية لمراجعة السياسة الخارجية، والتي كثيراً ما كانت تقف حجر عثرة في وجه الوصول إلى اتفاق متفاوض عليه. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت يوم الأربعاء الماضي أن الولايات المتحدة، وكوريا الشمالية، ستعقدان مباحثات يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين للبحث في تطبيع العلاقات الثنائية، وذلك ضمن الاتفاق الموقع بينهما، الذي ينص على إغلاق بيونج يانج لمفاعلها النووي الرئيسي مقابل حصولها على معونات من الغذاء والنفط. ولم تغير quot;رايسquot; من استراتيجيتها كثيراً فيما يتعلق بالموضوعين الإيراني والسوري، حيث لجأت طيلة الفترة التي سبقت مبادرة عقد اجتماع إقليمي معهما بشأن العراق إلى تصعيد ملحوظ في لهجتها إزاء الدولتين. وفي هذا السياق اتهمت وزيرة الخارجية إيران بدعم الميلشيات الشيعية لاستهداف القوات الأميركية، منبهة إلى أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء التدخل الإيراني في العراق.

والواقع أن اللهجة الحادة التي لجأت إليها كوندوليزا رايس، لم تكن سوى مناورة لدرء انتقادات المتشددين داخل الإدارة الأميركية، كما أنها ساعدت الولايات المتحدة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران وسوريا من موقع قوة. ومع ذلك يظل من غير الواضح ما إذا كانت الإدارة الأميركية الحالية التي راهنت طويلاً على عدم التفاوض مع الأعداء ستغير موقفها في النهاية، علماً بأن المسؤولين في الإدارة نبهوا إلى أن الولايات المتحدة لن تدخل في حوار مباشر مع إيران، أو سوريا.