السبت 3 مارس 2007


د. محمد السعيد ادريس


إعلان واشنطن عزمها المشاركة في مؤتمرين إقليميين حول العراق بحضور كل من إيران وسوريا جاء في اعقاب تطورات متسارعة تصب كلها في اتجاه يختلف كثيرا عن كل ما كانت تريده واشنطن. فالاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق التي حملت اسم ldquo;خطة بوشrdquo; وامتدادها الأمني في العراق تواجه فشلاً ذريعاً لدرجة أن البعض بدأ يتحدث عن استراتيجية أمريكية أخرى بديلة تحمل اسم ldquo;الديكتاتور العادلrdquo; عن طريق إسقاط حكومة نوري المالكي بعد فشل خطتها الأمنية عبر انقلاب عسكري يقوده ضابط قوي مدعوم من واشنطن يكون في مقدوره فرض الأمن والاستقرار جنباً الى جنب مع فرض التحالف مع أمريكا.

التطور الآخر المهم هو فشل أو تداعي السياسة الأمريكية الساعية الى فرض صراع سني - شيعي ضمن إطار مواجهة إيران أو ما يسمى ب ldquo;محور الشرrdquo; عن طريق تحالف سني يحمل اسم ldquo;محور الاعتدالrdquo;.

فالفتنة الطائفية الداخلية في العراق روعت كل دول الجوار بما فيها إيران نفسها، وأدركت هذه الدول أن دعم فتنة أو انقسام مذهبي سني - شيعي في المنطقة ستكون هي، اي هذه الدول أول من سيدفع ثمنها، لذلك كان وزير الخارجية الباكستاني، والمتحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر حريصين على نفي أي صفة طائفية سنية لمؤتمر أو لاجتماع إسلام آباد التحضيري للقمة الإسلامية المرتقبة في مكة المكرمة، وهو الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية كل من مصر والسعودية وتركيا والأردن واندونيسيا وماليزيا وباكستان من دون مشاركة إيرانية.

وزير الخارجية الباكستاني رفض القول ان عدم دعوة ايران وسوريا والجانب الفلسطيني في لقاءات إسلام آباد قد تزيد من حالة الانقسام، مؤكدا ان هذه الاجتماعات لم تأت في إطار تشكيل ldquo;جبهة سنيةrdquo; مناوئة للسياسات الإيرانية، وقال انه اتصل بنظيريه الإيراني والسوري، وإن الرئيس برويز مشرف اتصل برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مشيرا الى أن اتصالات مكثفة ستتم بين الدول الإسلامية من أجل تقريب وجهات النظر في القضايا التي طرحت في الاجتماع، ومن بينها ما يتعلق بأهمية الحل الدبلوماسي لأزمة البرنامج النووي الايراني ووضع الأولوية للأوضاع الخطرة في الأراضي الفلسطينية. أما المتحدث باسم الرئاسة المصرية سليمان عواد فقد أكد ان اجتماع اسلام آباد لا يمثل بداية حلف سني ضد اتجاه آخر، وان ذلك غير وارد على الإطلاق.

ولا يقل أهمية عن هذا كله ذلك الخلاف الشديد بين الإدارة الامريكية والكونجرس بسبب رفض الأخير دعم خطة بوش في العراق وبالتحديد رفض إرسال المزيد من القوات ورفض اي تمويل اضافي، والمطالبة بجدول زمني للانسحاب.

هذه الضغوط دفعت صحيفة ldquo;هآرتسrdquo; الى القول ان الحرب في العراق ألحقت أفدح الضرر بالولايات المتحدة بما يتجاوز حدود البلد المحتل ldquo;العراقrdquo; ما أفقد واشنطن موقع ldquo;الطرف الأهم القادر على فرض حلrdquo; في الشرق الأوسط، مشيرة الى أن ldquo;امريكا باتت تبحث لنفسها عن ملاذ للفرار حتى أصبح العراق دولة ذات رافدين معروضة للتسليم العاجل لأي كانrdquo;.

هل يمكن أن يكون الهدف من الاجتماعين الاقليميين القادمين بخصوص العراق هو ذلك ldquo;الملاذrdquo; الذي تبحث عنه أمريكا عن طريق ldquo;مظلة رعاية إقليمية عربية إسلامية بديلة عنهاrdquo;؟

السؤال مهم، لكن الأهم منه موقف الدول التي سوف تشارك في هذين الاجتماعين، وخاصة ايران وسوريا، فالمشاركة الايرانية - السورية، مشاركة اضطرارية من المنظور الأمريكي، فاستراتيجية بوش الجديدة في العراق قامت على فكرتين رئيسيتين، أولاهما الاصرار على الحل العسكري للأزمة في العراق، وثانيتهما إبعاد كل من إيران وسوريا عن أي مشاركة في حل الأزمة العراقية، بل على العكس تصعيد المواجهة مع كل منهما، فإذا كانت التطورات الجديدة تجبر واشنطن على القبول بمشاركة كل من إيران وسوريا في الاجتماعين القادمين حول العراق، فهل ستشارك ايران وسوريا في الاجتماعين تحت راية ldquo;إنقاذ أمريكاrdquo; من الهزيمة، أي تحويل الهزيمة الأمريكية الى انتصار، أو تحقيق المصالح الأمريكية وإنجاح المشروع الامريكي في العراق بالدبلوماسية بعد أن فشلت واشنطن في فرضه عن طريق الحرب؟ هل إيران وسوريا ستعملان على إنقاذ امريكا أم أن الهدف هو إنقاذ العراق؟ وبالتحديد إنقاذه من الاحتلال وتوفير استقلاله وحريته وحماية وحدته الوطنية ورفض أي مشروع تقسيمي؟

السؤال لا يخص إيران وسوريا فقط، بل يخص كل الدول التي ستشارك في الاجتماع، فهي مطالبة قبل أن تذهب بوفودها الى بغداد أن تجيب عن سؤال: ما الهدف؟

والهدف إما أن يكون إنقاذ أمريكا من الهزيمة والمشاركة في تحويل الهزيمة الأمريكية الى نصر وفرض وجود أمريكي عسكري وسياسي طويل في العراق وأمن استراتيجي يعيد التوازن مجددا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وإما أن يكون إنقاذ العراق من أمريكا ومخططاتها، وهي للعلم مخططات لا تتوقف فقط عند الحدود الإيرانية بل تتعداها الى الدول المجاورة، وتفاصيل هذه المخططات لم تعد خافية على أحد، ومع ذلك فإن الأهداف قصيرة النظر قد تدفع ببعض الدول الى الجري وراء مكاسب سريعة أو أهداف على المدى القصير من دون وعي بالبعد الاستراتيجي لما سوف تقوم به، وهذا ينطبق على كل الدول التي سوف تشارك في هذين الاجتماعين.