السبت 3 مارس 2007

د. حسن مدن


كنت في الكويت خلال اليومين الماضيين في زيارة سريعة. أدخلني تصفح الجرائد في رحلة شركة الطيران الكويتية القصيرة بين البحرين والكويت في أجواء الاهتمامات التي تستحوذ على الكويتيين في الأيام لأخيرة. لاحظت ان أخبار انفلونزا الطيور التي رشحت وقوع بعض الإصابات بها تحتل حيزا كبيرا في الصحافة، وهو انطباع تعزز عندي في اليومين اللذين قضيتهما هناك.ثمة تقص لأنباء الإصابات وعرض للقرارات الإدارية ذات الصلة بالموضوع والتدابير الاحترازية وردود الفعل المختلفة، وهناك بالطبع التطمينات على أن الأمر تحت السيطرة. يمكن لحدث غير سياسي أن يطغى على أخبار السياسة ويجعلها في مرتبة أدنى في اهتمامات الصحافة ووسائل الإعلام. لكن كيد السياسة عظيم، فهي تطل برأسها وتحشر انفها مهما طغت الاهتمامات الأخرى ولو إلى حين.

صحيفة ldquo;السياسةrdquo; نشرت كاريكاتيرا ظريفا يصور طيرا مصابا بانفلونزا الطيور يقتحم مكتب مسؤول كبير في وزارة الصحة، فيصرخ عليه المسؤول بما مفاده: ldquo;اغرب عن وجهي أنت الآخر.. هل هذا وقتك؟ ألا ترانا مشغولين بالاستجواب؟!rdquo;. والإشارة هنا إلى الاستجواب الذي يتعرض له وزير الصحة في مجلس الأمة لما يحسبه النواب تجاوزات في وزارته، ومهد الاستجواب لطرح الثقة بالوزير بعد أن استكمل المستجوبون العدد اللازم من الأصوات لذلك، وهو أمر تسعى الحكومة لتفاديه.

وما لا تكتبه الصحف يجري تداوله على شكل رسائل هاتفية قصيرة ldquo;مسيجاتrdquo; بأسماء أعضاء تركيبة التشكيلة الحكومية المتوقعة، ورغم أن الكويتيين يقولون إنهم درجوا على هذا النوع من ldquo;المسيجاتrdquo; قبيل كل تشكيلة حكومية، وغالبا ما يكون وراءها بعض من يرغبون أن يجدوا أسماءهم في قوام الحكومة المنتظرة، وبالتالي فان الأمر لا يؤخذ على محمل الجد، لكن ذلك لا ينفي كلية أن الحكومة في وارد اللجوء إلى تعديل وزاري وشيك، ربما لا يأتي عن طريق تقديم رئيس الوزراء استقالة حكومته للأمير، وإنما عن طريق وضع الوزراء استقالاتهم الجماعية في تصرف رئيس الحكومة، فيقبل بعضها ويبقي على البقية فيما يستبدل الوزراء الذين قبلت استقالتهم بآخرين، وبذا يجري تفادي طرح الثقة في وزير الصحة. لكن هذا ليس سوى سيناريو واحد فقط للطريقة التي يمكن أن تتطور بها الأمور خلال الأيام القليلة القادمة، وهو أمر مرجح أن يتضح اليوم أو غدا.

في كل مرة نكتب فيها عن الكويت علينا أن نسجل احترامنا الكبير للتقاليد السياسية الراسخة في هذا البلد، التي تجعل من العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية قائمة على الندية البناءة التي تضع مصالح البلد العليا نصب أعين المعنيين في الجانبين، فمجلس الأمة رسخ لنفسه دورا مستقلا إزاء الحكومة، محميا بالدستور الكويتي الذي أراده حكام الكويت وشعبها عقدا بينهما، والذي أثبت انه عند الملمات يكون حاميا للكويت، حكاما وشعبا، على حد سواء، أما الدولة فقد تعلمت من تجاربها أن تدير العلاقة مع السلطة التشريعية، رغم الشد والجذب، بروح مسؤولة لا تجعل الأمور تخرج عن السيطرة.