عبد الرحمن الراشد

القول إن أزمة دمشق غير قابلة للاصلاح مع الرياض فيه مبالغة، لأن الخلاف في أصله سياسي. لكنها أزمة مركبة ازدادت سوءا مع الوقت، وتحديدا قبيل اصدار مجلس الأمن قراره الشهير 1559، وتلاه اغتيال رفيق الحريري، الذي مثل أكبر صدمة للسعودية، في تاريخ علاقاتها مع سورية، لما احاط به من شبهات بأنها الفاعل، ثم انحدرت الأمور بتواصل عمليات الاغتيال والتهديد بالمزيد من الاغتيال في لبنان، وتورطها في نقل سعوديين للقتال في العراق، واساءات صريحة ضد الأمير بندر بن سلطان مبعوث العاهل السعودي الى دمشق، وما رافق حرب حزب الله مع اسرائيل، وخطاب الرئيس السوري، الذي فاجأ كل العرب بسوء لغته وتهجمه على القيادات السعودية والمصرية والأردنية، فتحالف سورية العلني مع ايران ضد الخليج ومصر وبقية المجموعة العربية، ثم خروج نائب الرئيس فاروق الشرع، الذي اتهم القيادة السعودية بانها laquo;تشخصنraquo; الخلاف، وكيل الاساءات ضد الملحق العسكري السعودي في دمشق، ودعم محاولات اسقاط حكومة السنيورة اللبنانية.

كل هذا الانحدار الشديد مر سريعا على مدى سنتين. الآن دمشق تشعر بأن القمة العربية في الرياض مناسبة مصالحة، بعد ان خسرت كل شيء تقريبا، حتى حليفتها ايران اظهرت لها بشكل عملي انها على استعداد لان تبيعها في اول مناسبة.

على مدى اربعين سنة لم يحصل ان افسدت سورية علاقتها الاستراتيجية مع السعودية الا حديثا. حتى في أزمات خلافية مثل الحملة السورية على الفلسطينيين في لبنان، وضد الاخوان المسلمين السوريين، والتقارب مع ايران في حربها مع العراق، حرص الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على عدم التفريط بعلاقته الاستراتيجية مع السعودية، واصلح كل ما مسها من اشكالات. لذا لعب التحالف السعودي السوري دورا سياسيا موازنا مهما في المنطقة، حمى مصالح الطرفين وحافظ على الاستقرار العربي في اوقات بالغة الخطورة.

وبالتالي ما حدث في عامين اثار استغراب الكثيرين، وفسر على انه نتيجة نقص في خبرة القيادة السورية، التي الغت اهم علاقة اقليمية لها، وعرضت نفسها لخطر محلي واقليمي ودولي. كما اثار استغراب الجميع حجم التورط في قضايا لبنان، على مستوى المحكمة الدولية وقرارات مجلس الامن ثم فتح ابواب دمشق للايرانيين.

هذه هي حال سورية، التي تسبق قمة الرياض، فهل يعقل ان تصلح العلاقة؟

كما ذكرت في البداية لا توجد خلافات سياسية يستحيل اصلاحها حتى بين الاعداء، فما بالنا بين الاشقاء. لكن سورية تخطئ ان كانت تظن ان الخلاف شخصي، كما زعم الشرع، بل هو خلاف في صميم المصالح. وما فتح الطريق للايرانيين نحو العراق وسورية ولبنان والقضية الفلسطينية مسألة هينة، بل فيه تغيير لكل خريطة المنطقة، وفتح الباب لحرب كبيرة طائفية وأمنية واقليمية ودولية. وفي ظني انه ما لم تتدارك سورية امرها وتصلح علاقتها بما ينهي الاسباب التي ادت الى التباعد، سواء في لبنان او العراق او فلسطين، فان القمة لا تستطيع ان تنقذ الشام من مستقبل مظلم، فهي التي حاصرت نفسها بنفسها.

[email protected]