ديانا مقلد

قررّ القضاء المصري سجن المدوّن عبد الكريم نبيل سليمان، المعروف باسم laquo;كريم عامرraquo;، لمدة أربع سنوات، منها ثلاثٌ بتهمة ازدراء الأديان وسنة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية.

ولعل هذا الحكم غير المسبوق بحقّ مدون مصري انتقد المؤسسة التعليمية الدينية واتهمها بنشر أفكار متطرفة، كما انتقد السلطات الحاكمة في مصر عبر شبكة الانترنت، هو واحد من ذروات المواجهة بين المدونين والمؤسسات الحاكمة والمؤسسات التقليدية في منطقتنا العربية التي تراوحت الملاحقات فيها ما بين الاعتقال والسجن والتعذيب وأحياناً القتل.

قبل الأشهر الأخيرة التي شهدت ارتفاعاً في وتيرة ونوعية ملاحقة المدونين واعتقالهم وصولا إلى سجنهم، كما في حالة عامر، كانت العديد من الانتقادات التي تطلقها أوساط محافظة ومتشددة حول دور شبكة الانترنت ومستخدميها في العالم العربي تنطلق من فكرة تبسيطية قائمة على اختزال دور شبكة المعلومات الالكترونية هذه، بكونها وسيلة للتسلية والدردشة وبأنها منبر للإباحية. لاحقاً، أضيف إلى هذه الاتهامات عنوان آخر هو أن الانترنت باتت سلاحاً جديداً بيد الجماعات المتشددة، وهو كذلك.

اليوم ومع اتساع شريحة المدونين العرب وتعدّد مقارباتهم وجرأتهم بات التحسس من دور هذه المجموعات أكثر حدّة وبات الحذر والارتياب من دورهم وتأثيرهم يتعاظم.

لقد ساهم المدونون في طرح أسئلة وأفكار، وإثارة مواضيع لم تكن مطروقة بهذه الصراحة وعلى هذا النحو من العلنية عبر الفضاء الافتراضي كما هي الآن. فحتى وقت قريب كانت المجموعات ذات الميول الاسلامية تملك زمام المبادرة في الانترنت من حيث الاستخدام وعدد المواقع.

لم يحدث انقلاب جذري على هذه الحقيقة، لكن بالتأكيد يمكن الحديث بشكل فعلي اليوم عن شرائح جديدة وفاعلة تميل أكثر نحو توجهات تحررية ليبرالية وتجادل بشكل فعلي حول قضايا الحريات والتطرف وحقوق الأقليات والمرأة.

ليس من المبالغة الحديث عن دور المدونين الفاعل اليوم وعن تصدرهم للنقاشات الجريئة في مجالات السياسة والثقافة والمجتمع وعلاقات الأفراد بمجتمعاتهم وأهلهم وحكوماتهم. في مصر وحدها كشف المدونون شرائط التعذيب في سجون الشرطة وكان لهم دور فاعل في مراقبة مسار العمل السياسي والتعبيري في البلاد في أكثر من محطة.

إنها مسألة ينبغي التأمل فيها.

فحين يتم التطرق لقضايا الرأي العام غالباً ما يصنف الوعي العام العربي بأنه وعي عام جماعي قامع للأفراد ووارث لقناعات وليس مبتكراً لها.

مع شريحة المدونين ربما نشهد تأسيساً لواقع مختلف.

صحيح أن كريم عامر، وآخرين على امتداد الدول العربية، هم إما خلف القضبان أو مهددون به، لكن مساحة التعبير الهائلة التي يقدمها الفضاء الافتراضي أمر يصعب حدّه وضبطه عبر زنازين. فمدونة كريم لا تزال متاحة لمن يريد الاطلاع عليها وحجم التضامن معه ومع مدونين آخرين في ازدياد يدل عليه حجم الحملات التضامنية الالكترونية وأعداد المنضوين فيها.

في عصر المعلومة، من الصعب حجب الآراء خلف قضبان من حديد.

diana@ asharqalawsat.com