د. حسن مدن

في الكويت الآن جدل واسع حول ما بات يعرف بrdquo;الصحف الجديدةrdquo;، والمقصود هنا أن قانون المطبوعات والنشر الجديد هناك كسر احتكار الامتيازات القائم في عدد محدد من الصحف الرئيسية المعروفة في البلد، والتي يستند غالبها، إن لم يكن كلها، إلى بيوتات مالية قوية وعائلات بالغة الثراء، حيث أتاح القانون الجديد مرونة تمكن من الحصول على امتيازات جديدة لإصدار صحف من قبل الراغبين الذين اتضح أنهم كثر. وقد شاركت في حلقة تلفزيونية حوارية عالجت هذا الموضوع، من زاوية مقارنته بما شهدته البحرين خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدا بعد الإصلاحات السياسية التي أدخلها ملك البحرين، من صدور عدد من الصحف الجديدة، بحيث تضاعف عدد الصحف اليومية مرتين على الأقل، وهناك حديث عن صحف أخرى في الطريق وشيكة الصدور.

في الكويت، كما في البحرين وكما في أي بلد آخر، فإن تعدد المنابر الإعلامية الصحافية، ومرونة الحق في إصدار صحف جديدة، يجب أن يعدا مؤشراً ايجابياً إلى أن مناخ الحرية المتاح في البلد يتمتع بحيوية تتيح هذه المرونة، فالصوت الواحد، أو الأصوات المتشابهة، هي ضد طبيعة الأشياء، ونفي لما في المجتمع من تعددية وتنوع.

لكن هل يمكن لصدور عدة صحف، جديدة أو قديمة في أي مجتمع، أن يعد سببا كافيا للقول إن الصحافة في البلد المعني تتمتع بالحرية؟

هذا الأمر بحاجة للكثير من التدقيق، فمع الإقرار بأن التعدد يمكن أن يسهم في الارتفاع بسقف الحرية بحكم منطق المنافسة والرغبة في التميز والتفوق من قبل أي جريدة على نظيراتها، وهذا أمر استطعنا أن نلمسه بوضوح في البحرين، حيث أدى صدور صحف جديدة إلى طرق أبواب وولوج طرق كان من الصعب الاقتراب منها في ما سبق، كما انه أدى أيضا إلى النهوض بأوضاع العاملين في الصحافة، خاصة المحررين، الذين ازداد الطلب عليهم بزيادة عدد الصحف، مما طرح تحدي رفع أجورهم بغية استقطابهم من الصحف الجديدة أو تمسك مؤسساتهم الأصلية بهم، فضلا عن انه خلق مناخا من المنافسة الايجابية أدّى إجمالا إلى تطوير مستوى الأداء الصحافي من وجهة النظر المهنية.

لكن تنشأ أسئلة أخرى هنا، من نوع: ما مدى قدرة السوق في مجتمعات صغيرة كمجتمعاتنا على استيعاب هذا الكم من الصحف، خاصة أن الصحف الجديدة في الغالب لا تستقطب قراء جدداً بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنما تستقطب جزءاً من قراء الجرائد الأقدم، وهذا تحد كبير، فالقارئ لا يتخلى عن عادته في قراءة جريدة بعينها بسهولة، ومن الصعب إقناعه بالتحول إلى جريدة أخرى خاصة إذا لم تظهر أنها قادرة على تقديم ما تعجز جريدته الأثيرة عن تقديمه.

سؤال آخر يتصل بمدى جدية المنافسة التي تشكلها الإصدارات الجديدة إزاء مؤسسات إعلامية راسخة، ذات وضع مالي واستثماري متين، واستقطاب مضمون للإعلان تدعمه مؤشرات توزيع ثابتة. وأخيرا، وليس آخرا، ما هو ضمان ألا تكون الإصدارات الجديدة نسخا مكرورة من المعتاد، حين تعجز عن أن تأتي بجديد في ظل قوانين للمطبوعات والنشر لا يمكن وصفها بالمتقدمة؟