محمد صادق دياب

من المؤكد أننا نتفهم حجم المرارة في أن يسلم رئيس دولة بعض مواطنيه كي يحاكم خارج بلاده، حتى ولو كان ذلك أمام محكمة دولية تشكلت بقرار من مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، التي تشترك بلاده في عضويتها، لكنني لا أستطيع أن أتفهم إصرار الرئيس السوداني عمر البشير على تكرار القسم بأنه لن يسلم أي سوداني لمحاكمته خارج بلاده، إذ يمكن للبشير أن يعلن هذا الموقف من غير ربطه بالقسم، ففي السياسة التي هي فن الممكن غالبا ما يعطي السياسي لنفسه فسحة من المناورة للوصول إلى أقصى حدود الممكن بعيدا عن تكبيل حركته بسياقات القسم وتداعياته.

ويرى الرئيس البشير ان القضاء السوداني مشهود له بالنزاهة والكفاءة وقادر على بسط العدالة بين الناس ومحاسبة كل من تثبت إدانته في جرائم ضد الإنسانية بدارفور، وقد نتفق معه حول نزاهة القضاء السوداني، وقد كان من الأجدر أن تقوم الحكومة السودانية بتحويل ملف دارفور إلى القضاء السوداني مبكرا، ومنذ الإشارات الأولى التي طفت فيها قضية دارفور على سطح الاهتمام العالمي، فالحديث اليوم عن نزاهة القضاء السوداني حديث حق، ولكنه تأخر كثيرا عن سياقه الزمني بالصورة التي أودت ـ أو توشك أن تودي ـ اليوم بالسودان إلى الاصطدام بالمجتمع الدولي.

إن الحكومة السودانية تحصد اليوم مرارة عقود من الأخطاء التاريخية التي شاركت فيها بعض الحكومات السودانية السابقة بإدخال مشكلات السودان في براد الزمن بدلا من وضع حلول لها، وها هي الحكومة السودانية الحالية تواجه تفجر كل هذه المشكلات دفعة واحدة في موسم ذوبان الجليد، حتى تحالفات الأعوام الأخيرة التي فرضتها الضرورة قد لا تصمد طويلا في مواجهة الأعاصير، وها هو الشريك في التحالف الحكومي سلفا كير رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان يقفز من زورق التحالف في هذا المنعطف الحاسم، وينأى بحركته عن مصير شريكه، ويطالب بإلحاح بنشر قوة دولية في دارفور بعيدا عن قرار حرق المراكب في مواجهة القرارات الدولية، الذي اتخذه حزب المؤتمر الوطني بزعامة البشير.

وينبت في هاجس اللحظة السؤال: أما آن لليل القلق في السودان أن ينجلي عن فجر يليق ببهاء أهله، وعشقهم للحياة والحب والسلام؟

[email protected]