فؤاد مطر

ما أشبه الوضع في المنطقة الآن بالوضع الذي عشناه خريف 1990 بسبب الاجتياح العراقي الصدَّامي للكويت، التي استعيدت والحمد لله إلى أمتها، بعدما افتقدتها طوال ستة اشهر من الاحتلال البغيض من جانب الأخ الجار لأخيه في العروبة والإسلام. وعند التأمل هذه الأيام في مناسبة الذكرى السادسة عشرة للتحرير ومناسبة العيد الوطني السادس والأربعين لشقيقة لبنان الخليجية، وتوأمه من حيث التقاليد الديمقراطية والحياة البرلمانية، فإننا لا نملك سوى التمني بأن تدوم هذه النعمة المستعادة على الكويت، وأن تنتعش التقاليد إياها في لبنان وبحيث لا يعود هذا الوضع المرتبك على صعيد الواجب المناط بالرئاسات الثلاث على ارتباكه الذي انعكس مساوئ كثيرة على سمعة الوطن ونفوس أهله، فضلاً عن تأسيسه للصدمات تصيب نفوس الأجيال الجديدة.

والقول بأن الوضع الراهن في المنطقة أشبه بالوضع الذي عشناه خريف 1990، يستند إلى الكثير من الوقائع والتصريحات التي يدلي بها مسؤولون في الإدارة الاميركية، ومن بينهم ديك تشيني نائب الرئيس بوش الابن. وعند التمعن في تصريحات تشيني وأحدثها قوله خلال زيارة إلى استراليا يوم السبت 24 ـ 2 ـ 2007، انه لا يستبعد توجيه ضربات إلى إيران من دون عقوبات مجلس الأمن، نلاحظ انه يتحدث بمفردات تصريحاته التي سبقت الحرب على العراق، وكان يومها وزيراً للدفاع في الإدارة التي يترأسها جورج بوش الأب. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن تشيني وكان هنالك سعي عربي ـ إسلامي ـ دولي لمعالجة موضوع الكويت بإقناع الرئيس صدَّام حسين سحب القوات العراقية من الكويت، قال يوم الخميس 11 ـ 10 ـ 1990 laquo;إذا التزم صدَّام حسين بقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى انسحاب العراق من الكويت وعودة الحكومة الشرعية اليها، فلن يقع نزاع ولن يتم تدمير العراق كدولةraquo;.

ويوم الأربعاء 31 ـ 10 ـ 1990 وكان مضى على احتلال الكويت 91 يوماً من دون أن يستجيب صدَّام حسين لمساعي التسوية العربية، ومن بينها مسعى وفاقي بالغ الأهمية كان يقوم به الرئيس حسني مبارك، فاجأ تشيني المجتمع العربي الدولي الباحث عن تسوية بالقول: laquo;إن الطريقة الوحيدة لإنهاء الأزمة، هي في أن يلم صدَّام حسين شمله ويرحل.. raquo;، واستناداً منه إلى تحريضات وزير دفاعه تشيني ومخططه الجاهز سلفاً لضرب العراق، فإن الرئيس بوش الأب فاجأ هو الآخر المجتمع العربي ـ الدولي يوم الخميس 22 ـ 11 ـ 1990 بكلام كان واضحاً منه أن الضربة آتية لا ريب في ذلك. ومما قاله بوش الأب laquo;ان العدوان العراقي على الكويت يسبب مشاكل اقتصادية داخل الولايات المتحدة، وإنني قلق من القدرات النووية العراقية، وكل يوم يمر يقرِّب صدَّام حسين خطوة أخرى نحو تحقيق هدفه بالحصول على ترسانة أسلحة نووية. أن أولئك الذين يعيشون الجدول الزمني لبرنامج صدَّام النووي بسنوات قد يكونون مخطئين في تقدير حقيقة الوضع وخطورة هذا التهديد، فلا أحد يعرف متى سيحصل هذا الدكتاتور على الأسلحة النووية أو يعرف بالتحديد ضد مَنْ سيستخدم هذه الأسلحة في المستقبل، لكننا نعرف بالتأكيد أنه استعمل كل سلاح حصل عليه. إن صدَّام يخاطر بحياته إذا هو عمل على إرباك الصبر الزائد.. raquo;.

وإلى تهديد بوش الأب لصدَّام بحياته نجد وزير دفاعه تشيني يعزف على الوتر التهديدي نفسه ليس فقط لصدَّام، وإنما للعراق كله وذلك من خلال قوله يوم الأحد 23 ـ 12 ـ 1990، وكان الحديث تزايد في شأن انسحاب جزئي من الكويت laquo;إننا نعرف ان العراق سعى الى تطوير السلاح النووي ولدينا معلومات حول الترسانة الكيمياوية للعراق، ونعرف القليل عن الأسلحة البيولوجية التي يملكها. وإذا كان صدَّام حسين مجنونا إلى درجة استخدام الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، فإن الرد الأميركي عليه سيكون ساحقاً ومدمراً تماماً. إن على صدَّام أن يعلم جيداً أن جميع الخيارات متاحة لدى الرئيس بوش.. raquo;.

هذه المفردات من جانب تشيني توضح لنا سر الإتيان به من دون غيره نائباً للرئيس بوش الابن، أي بما معناه أن دوره وهو وزير للدفاع كان سيتطور لو قيَّض الاميركان للرئيس بوش الأب تجديد ولايته، لكن هؤلاء خذلوا الرئيس واختاروا الديمقراطي بيل كلنتون لكي يترأس على مدى ولايتين، ثم يرثه بوش الابن الذي اختار وزير حرب ابيه ليكون نائباً له، وليحقق للجمهوريين المبتغى في أن يشن الابن حرباً على العراق تكاد تودي به، في ضوء ما نراه من فواجع وكوارث يومية، إلى الاندثار وبحيث يتناثر كما يوغسلافيا من قبل.

وفي الحيثيات كذريعة لحرب بوش الأب نلاحظ أن المخاوف النووية وأسلحة الدمار الشامل هي الأساس في تلك الحيثيات، ثم يتبين أن العراق الصدَّامي وباعتراف على أعلى المستويات الرسمية الاميركية السياسية والأمنية والمخابراتية، لا يملك ما يوجب الفتك به، وأن الأمور كانت قابلة للحلول تحت الخيمة العربية، وبتشجيع ومؤازرة من أطراف دولية مثل روسيا وفرنسا والفاتيكان ومباركة الملك فهد بن عبد العزيز والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليهما. لكن كيف سيتم الأخذ بصيغة التراضي إذا كانت حرب بوش الأب وحليفته مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا مقررة سلفاً وتنتظر ساعة الصفر التي بدأت على وقع اطمئنان الادارة الاميركية، وفي شخص وزير الدفاع ديك تشيني إلى أن إيران هي ضمناً مع أميركا وبريطانيا في حربها هذه على العدو اللدود عراق صدَّام حسين، ووصل الاطمئنان إلى حد أن تشيني الذي يمهد الطريق أمام حرب بوش الابن على إيران بذريعة المخاوف من امتلاكها القدرات النووية قال قبل ست عشرة سنة، وقبل ان تبدأ حرب بوش الأب ضمن تحالُف دولي ـ عربي ـ إسلامي على العراق الصدَّامي وهي الحرب المعروفة بـlaquo;عاصفة الصحراءraquo; يوم الخميس 17 يناير (كانون الثاني) 1991 laquo;يمكن اعتبار إيران من التحالف. ولو كانت خارج التحالف الدولي لكان من السهل مد خط انابيب من جنوب العراق إلى جنوب إيران، ودمج إنتاج البلدين من النفط وبيعه في الأسواق الدولية، ومن المهم أن تبقى إيران جزءاً من التحالف..raquo;.

مرة أخرى نقول إن ما يحدث اليوم أشبه بالبارحة. المحرض هو هو. والذريعة هي هي. والعناد النجادي هو أخ العناد الصدَّامي. وكما سبق أن هدد طه ياسين رمضان الذي هو laquo;تشيني الحكم الصدَّاميraquo; يوم الاثنين 24 ـ 12 ـ 1990 أمام النائب العمالي البريطاني بيرني غرانت، الذي أمضى خمسة أيام في زيارة إلى العراق بأنه laquo;إذا شنت الولايات المتحدة هجوماً على العراق، فإننا سنهاجم المصالح الأميركية والبريطانية في جميع أنحاء العالم.. raquo;، فإن التهديدات الإيرانية المماثلة على السنة المسؤولين وكلهم من الصقور من دون أن نرى من يحاول الاستفادة من الأمثولة العراقية، ومن دون أن يأخذ الجار الإيراني في الاعتبار أنه قد يؤكل ومن دون أن يحول دون ذلك أن لإيران في ذمة اميركا، إلى جانب المليارات المجمَّدة منذ سقوط الشاه رجل أميركا لبعض السنوات في المنطقة، ديْناً معنوياً حيث انها يوم التحضير لضرب العراق كانت على يمين معسكر التحالف أو على الأقل لم تقف ضده، لأنه في ضربه للعراق لا يعود في نظر آيات الله استكبارياً، وهو ما قاله بوضوح تشيني الذي ينوي الآن حرباً أشرس على إيران. ونقول ذلك مستحضرين القول الشهير عن واقعة الثور الأسود: أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض. وقد يصيب الحكم السوري المصير نفسه، من دون أن يُبعد عنه الكأس المرة انه في حرب بوش الأب كان الرئيس الأسد الأب في الخط الأمامي سياسياً وفي الخط الثاني عسكرياً.