محمد بن عبداللطيف آل الشيخ




كان محاوري قد أثار عدة نقاط حول كتاباتي في (الجزيرة)، تحدثت عن أهمها في الجزء الأول من هذا المقال يوم الأحد، وسأكمل اليوم.

من النقاط التي أثارها تلك المتعلقة ب(احترام العلماء)!.. أولاً احترام الإنسان أي إنسان، سواء كان جاهلاً أو عالماً، وبغض النظر عن خلفياته، هي من أخلاقيات الإنسان السوي والمتحضر. غير أن (الاحترام) كلمة مطاطة وفضفاضة وغير منضبطة. أن تختلف مع عالم أو فقيه أو واعظ لا يعني أنك لا تحترمه، فلا هذا العالم أو الفقيه أو الواعظ ولا أنت - أيضاً - تملكون (الحقيقة) المطلقة، وبالتالي فإن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد وجهات نظر تبحث عن ضالتها، وهي (الحقيقة).

وعلى رغم أننا نقول ونردِّد قول الإمام مالك رضي الله عنه: (كلنا رادّ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر)، عندما وقف عند قبره صلى الله عليه وسلم، إلا أن البعض منا يتصرف وكأن ثمة (طبقة) ممن يتسمون (بالعلماء) وهي فوق النقد، وتستعصي على المساءلة، وبالتالي فإن من يمسّ هذه (القاعدة) المختلقة يكون قد اقترف إثماً وذنباً عظيماً، فلحوم العلماء - كما يردّدون - مسمومة، وما على (التابع) الغلبان إلا الانقياد لما يقوله الفقيه، ومن ثَمَّ طاعته والاستسلام لمخرجاته الفكرية دون أن ينبس ببنت شفة. وهذا - بالمناسبة - ضرب من ضروب (الكهنوتية) ما أنزل الله به من سلطان. أليس من ثوابتنا وأعرافنا أن الرجال يُعرفون بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال؟! إذن لا بدَّ من (حوار) العلماء، ونقاشهم، والتأكد من مدى تأصيلهم ما يقولون من الناحية المنهجية؛ حتى يكون المسلم قادراً على (التمييز) والمفاضلة واتباع ما يراه حقاً وليس اتباع (الرجال)، وإلا دخلنا في طامة كبرى، وهي (ولاية الفقيه) الشيعية التي ابتليت بها إيران ويدعو إليها نهاراً جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد أحد من يُسمَّوْن بمشايخ (الصحوة)، أو قلْ - تجاوزاً - (علماءها) من الصف الثاني.

ومن أجل أن أضع النقاط على الحروف، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أتذكر أن (أحد) مَن كان يعدّ من (العلماء) في المملكة، وكان مدرساً للعقيدة في جامعة الإمام قبل أن يتقاعد، أفتى في آخر عمره (بأن الدولة الوحيدة المعاصرة التي تحكم الشريعة هي طالبان)، واستثنى المملكة ضمناً، وساق مبرراته التي كانت في واقعها مبرّرات (مضحكة) تثير الشفقة عليه وعلى علمه، وتؤكد محدودية أفق المسكين.. وعلى رغم سذاجة هذه الفتوى، وسهولة الرد عليها، وخطورة ما انتهت إليه في الوقت ذاته، وتحريضها على النظام القائم ضمناً، لم يتكفّل أحد بالردّ ممن يعدّون من (العلماء)، وأصيب الجميع بحالة (طرم) ولاذوا بالصمت، والسؤال: هل (نسكت) لأن لحوم العلماء مسمومة، أم ندافع عن وجودنا ونذود عن وطننا وعن أمننا واستقرارنا ومكتسباتنا، ونقف بالمرصاد لكل (المفترين)، وبخاصةٍ من أراد إشعال (الفتنة)، حتى وإن كان هذا (المفتري) شيخاً أو عالماً أو واعظاً، أو حتى بحراً في (العقيدة)؛ فالوطن وأمن الوطن فوق كل هؤلاء (الأشخاص) مجتمعين؟!

وما زلنا نتذكر تلك البيانات المحمومة، والمُلغمة، والتحريضية، التي (تقصف) الجميع دون استثناء، وكان آخرها بيان الـ61 الشهير الذي يندى له، ومن لغته، وافتراءاته، وتجنّيه، جبين كل مواطن سعودي، وكان مجموعة من موقِّعيه من (طلبة العلم) على الأكثر، ومرة أخرى: هل نلوذ بالصمت (احتراماً) لهؤلاء (الحركيين) المتجنّين على وطنهم ومواطنيهم؟!

ويسألني محاوري أخيراً: ماذا تريد؟

قلتُ: كل ما أريده - يا سيدي - أن نبتعد عن تلغيم عقول الشباب، وتحريضهم على التمرد على كيانهم، وأن ندرك أن هذه البلاد أمانة في أعناقنا، وأن المحافظة عليها، وعلى (أمنها)، وعلى (تنميتها)، وعلى الرقي بها اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، وتخليصها من (التخلف) بمعناه المعاصر، هي (الغاية) التي يجب ألا نحيد عنها قيد أنملة مهما كان الثمن؛ لأننا لو فعلنا فنحن (نفرّط) في كل ما بناه الآباء والأجداد؛ أي أننا نفرط في الدولة التي بناها خلال ملحمة التوحيد والوحدة الملك عبد العزيز ورجاله المؤسِّسون الأوائل.

ومن أجل أن نكمل مسيرة (المؤسس)، ونجذّر هذه الدولة، لا بدَّ من (مواكبة) العصر، وليس (الانكفاء) على الذات كما يطالب (ضمناً) بعض البسطاء والسذّج.. (المواكبة)، ثم المواكبة، ثم المواكبة، هي حجر الزاوية في ملحمة البقاء والتنمية والاستمرار.


الجزء الأول من المقال
http://www.elaph.com/ElaphWeb/NewsPapers/2007/3/217698.htm