عبدالرحمن الراشد

لا أظن أن أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، نفسه كان يدري أن العالم سيتذكر عيد ميلاده الخمسين الذي على الأرجح لم يعد يتذكر عمره في رحلة طويلة من الحروب والاختباء الدائم. لكنها مناسبة تستوجب التوقف لدراسة وفهم الظاهرة البن لادنية عمرا وسياسة. فقد أثر في معظم سنه على المسلمين من الصين إلى واشنطن، مما يطرح الكثير من الأسئلة: كيف ولماذا والى متى؟

حسابيا نرى أن بن لادن دخل معمعة الحروب بالتأكيد بعد عام 1980، فالسوفييت غزوا أفغانستان في عام 79. وخلال السنوات الثلاث اللاحقة للتورط السوفييتي سافر مع مئات من الشباب السعوديين إلى أفغانستان، بناء على الطرح الرسمي والشعبي حينها، بقدسية تحريرها من رجس الشيوعية، رغم أن أحدا لم يتذكر أن يسأل حينها عن عدم محاربة السوفييت المنتشرين في عدد من دول الجوار. خرج وهو في الخامسة والعشرين من عمره فقط، من بلد لم تعرف الحروب من قبل، ولم يدر هو شيئا عنها، إلا ما كان يسمعه في الندوات، في الجامعة والمسجد. المحطة العمرية الثانية عندما انتهت حرب أفغانستان وخرج الروس في عام 1989، كان عمره اثنين وثلاثين عاما. لخمس سنوات متواصلة شاهد مسرحا سياسيا مختلفا حيث دارت حروب دامية بين الأفغان على السلطة، حطمت مقولة وحدة الهدف، وأكدت على قبلية، لا إسلامية، الانتماء.

ومن كل ما نقل وسجل نراه في التاسعة والثلاثين من العمر يبدأ تنظيم القاعدة، الذي ترافق عام 1996 مع استيلاء طالبان على الحكم في العاصمة كابل. ثم نراه يحقق أضخم أعماله العسكرية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حينها بات سنه في الخامسة والأربعين. لكن في السادسة والأربعين يبدأ رحلة الهزيمة لأول مرة في حياته عندما أسقطت الولايات المتحدة نظام طالبان، وشردت حركة القاعدة في أفغانستان.

حرصت على تسجيل الحوادث في زمنه العمري لتلمس الإجابة على الأسئلة في رأس المقال. فقصته هي قصة جيل تورط في مشروع سياسي بدون إدراك كامل لطبيعة المغامرة التي قيد إليها. وهنا سيختلف المحللون إلى سنين طويلة فيما إذا كانت حرب أفغانستان هي مشروع اميركي سريع الغاية، أي تجنيد الشباب المسلم لضرب شباب الشيوعية السوفييت، وحماية حدود المنطقة النفطية الشرق أوسطية، أي إيران والخليح، في نطاق لعبة الأمم والحرب الباردة. أو أنها كانت مشروعا للحركات الإسلامية الأصولية استغلت المناسبة الأفغانية لتجميع شباب الأمة من أنحاء العالم، وتجهيزهم للحروب المقبلة، كما رأينا لاحقا، وإنهم تغدوا بالاميركيين قبل أن يتعشوا بهم.

شاب في العشرينيات بلا تجربة سياسية، على اعتبار انه خرج من جدة، وبلا وعي سياسي كامل إلا ما سمعه في مناخ لا يتحدث عن العالم سوى من خلال منظار واحد، معاداة الشيوعية. جدة، كبقية المدن العربية التي شملها نشاط التجييش، كانت مثل مكاتب التجنيد في أي مكان آخر في العالم، نظيفة ومريحة وواعدة ، ولا تعطي أي انطباع حقيقي لما سيواجه المجند لاحقا في بلاد الحرب ورحلة العجائب.

[email protected]