الخميس 15 مارس 2007

أسامة أنور عكاشة


إذن فقد اهتزت بشدة ثوابت الانتماء العربي وخضعت كلها لمراجعات بدت في كثير من الأحيان وكأنها انقلاب كامل علي الهوية خاصة وقد ظهرت ثانية من رماد السنين دعاوي كان الظن أنها أندثرت ولم تعد محل اعتبار منذ أكثر من نصف قرن كدعوة الفرعونية أو المتوسطية بما يكتنف كلا منهما من غموض والتباسrlm;!rlm;

ومن خلال التوقفات والمراجعات التي انشغل بها الكثيرون من مفكري ومثقفي هذا البلد كانت مسألة الركون الي هوية بعينها تبدو ضرورية لتحديد خطة وطنية لمسار المستقبلrlm;,rlm; وبدا لكل مهتم بهموم الوطن أن البقاء داخل دائرة القومية العربية كانتماء عرقي هو ارتهان لما ثبت عقمه وانتفت جدواهrlm;,rlm; كذلك الانتماء السياسي الذي أسفر عن تجارب فاشلة مريرة لا يصح مجرد التفكير في تكرارهاrlm;,rlm; وفي رأيي أن الخلط بين العرقي والسياسي يماثل تماما الخلط بين الديني والسياسيrlm;,rlm; وكلا النوعين من الخلط هو السبب الرئيسي في تدهور أحوال المنطقة التي وقعت بين براثن العديد من موجات التعصب الديني والقبلي فترات عديدة في تاريخها قديما وحديثاrlm;.rlm;

فأصل العرب ـ كما درسوا لنا في التاريخ ـ تلك القبائل التي عاشت في شبه الجزيرة العربية جنوب غرب آسيا وتنتمي لجد يدعي جرهمrlm;..rlm; وقد انقسموا في زمن تال الي عرب عاربة وعرب مستعربةrlm;..rlm; وتحدثنا كتب الاثنولوجيا أيضا عن عرب بائدة وعرب باقيةrlm;..rlm; ثم عدنانيين في الشمال وعرب قحطانيين في الجنوبrlm;,rlm; ويختلط هنا التاريخ كعلم بالأسطورة والميثولوجي الدينيrlm;..rlm; ويحدثنا هذا الخليط عن القبائل التي تفرعت عن هذه الأصولrlm;..rlm; قبائل تناهت إلينا أخبارها التي تلخصت في الغارات والحروب التي نشبت بينها طوال تاريخها ولم تكف أبداrlm;..rlm; بل كانت مبعث فخر وزهو لهؤلاء المحاربين الصناديد والمغيرين الأشاوس حتي سميت حروبهمrlm;..rlm; وهي لا تعدو أن تكون غارات للنهب والسلبrlm;..rlm; بأيام العربrlm;..rlm; أي سجل أمجادهمrlm;..rlm; وظلت أجيالهم المتعاقبة تتناقل أخبار تلك الأيام كيوم ذي قار ويوم البسوسrlm;..rlm; ويوم داحس والغبراءrlm;..rlm; ويوم الفجارrlm;(rlm; اليوم هنا لا يعني يوما جغرافياrlm;..rlm; ولكنه يعني وقائع حرب كاملةrlm;)rlm; وراح شعراؤهم يدبجون قصائدهم ومعلقاتهم التي تتباهي بتلك الأيام المجيدة ويتبارون في عكاظاتهم بمن ولغ في الدماء من أبطالهمrlm;..rlm; لذلك قال النقاد ومؤرخو الأدب إن الشعر هو ديوان العربrlm;!!rlm;
وهو مفخرتهم الوحيدة التي لا يملكون غيرهاrlm;..rlm; كانوا لا يجيدون شيئا غير قتال بعضهم البعض وقرض الشعرrlm;..rlm; وظلوا كذلكrlm;..rlm; في الجاهلية وفي صدر الإسلام وفي كل ما تلي من عصور وعبر حروب القبائل في أيامهم وغزوات الدعوة الإسلامية وحروب الردة ثم الفتنة الكبري وقتال الدولة الأموية ضد العلويين وقتال العباسيين لهؤلاء وأولئكrlm;:rlm; قتل العرب من العرب أضعاف أضعاف ما قتلوا من أعدائهمrlm;..rlm; ومازالوا يقتتلون حتي اليومrlm;..rlm; فأي وحدة تلك التي نتحدث عنها؟

لقد أتاحت الفتوحات الإسلامية لبدو الجزيرة العربية أن يفرضوا ألوانهم وأصباغهم علي شعوب البلاد المفتوحة وأسموهم بالمواليrlm;..rlm; ثم تماهي المغلوبون مع صفة الغالب فانتحلوا لأنفسهم هويته ليصبح أهل العراق والشام ومصر والساحل الشمالي لإفريقيا عرباrlm;..rlm; هكذاrlm;!rlm; ولا أدري كيف يمكن للمواطن في جنوب الجزيرة العربية وشرقها وهو السامي كما يشير عرقه بوضوحrlm;..rlm; من نفس جنس المواطن في سوريا ولبنان الذين يبدو انتماؤهم للجنس أو العرق القوقازي واضحا دون أي شك؟rlm;.rlm;

ونفس السؤال نستطيع تكراره عن المصريين والسودانيين والصوماليينrlm;,rlm; وهم من الجنس الحامي غالبا وطبيعة علاقتهم العرقية بابناء شمال افريقيا في تونس والجزائر والمغربrlm;,rlm; فالتعدد العرقي والعنصري سمة واضحة في تلك المنطقة التي نسميها بالوطن العربي ونحددها من المحيط الأطلسي الي الخليج الفارسي الذي غيرنا اسمه كعادتنا التاريخية في انتحال كل شيء لأنفسنا وسميناه بالخليج العربيrlm;,rlm; ونحن اساتذة في السطو علي أي تاريخ أو قيمة أو معني لنلحقه بنا وندفعه بنجاحتنا وتحت راية العروبة استحللنا ملكية أي شيء ولأننا لا نملك القوة المادية الفعلية لامتلاكه فنحن غالبا نتملكه بالكلام والادعاءrlm;.rlm;

أما وقد عارضنا أو انكرنا عروبة العرق فإننا نجد أنفسنا أمام حقيقة ثابتة لا يمكن التشكيك فيها أو إنكارها وهي أننا ذوو هوية عربية بالثقافةrlm;!rlm; والثقافة وحدها ولا شيء سواها نعمrlm;..rlm; فنحن جميعا سكان هذه المنطقة من العالم نشترك في لسان واحد هو اللسان العربيrlm;..rlm; ونكتب بالعربية ونقرأ بهاrlm;..rlm; ويدين السواد الأعظم منا بدين كتابه المقدس هو القرآن المنزل بالعربيةrlm;..rlm; ثم إننا نشترك في العادات والتقاليد وتتسم مجتمعات مدننا وقرانا ومضاربنا بنفس النسق الحياتيrlm;..rlm; والتواصل بيننا يتم عبر مشتركات كثيرة في الإبداعات الثقافية في الفن والأدبrlm;..rlm; وهناك أسلوب يتطابق ووجدان يتماثلrlm;..rlm; لنا نفس المواقف من مفردات الحضارة وتحديات العصرrlm;..rlm; ولنا بعد هذا كله نفس الذوقrlm;!rlm;

نحن ـ كعرب ـ نجمع علي قراءة طه حسين ونجيب محفوظ وإدريس وحنا مينا والعجيلي وبن جلونه والطيب صالح ووطارومنيف ونتذوق بوجدان واحد أشعار شوقي والجواهري والسياب ونزار وعبدالصبورrlm;,rlm; ونهتز طربا لفيروز وأم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم والصافي وصباح فخري وناظم الغزالي وطلال مداح والرباعي والحجار وماجدة الروميrlm;,rlm; وباقي الصف الطويل من الفنانين الذين لم يخص أحدهم جزءا من الوطن بفنه بل غني لكل العربrlm;!rlm;

واذا كنا نركز في بداية الحديث عن الهوية الثقافية علي عنصريrlm;:rlm; الكتاب والشعر ثم اللحن والغناء فلأنهما طرفا المعادلة التي نحاول من خلالها حل الإشكالية التي تواجهنا حين نفكر في تحديد الهوية بأسلوب يفضي في النهاية الي تكوين مفهوم منطقي يمكن الدفاع عنه دون الوقوع في مطبات الشوفينية علي جانب أو جلد الذات علي الجانب الآخرrlm;,rlm; فنحن لا نستطيع أن نتجاهل تلك المساحة التي تبدو شاسعة بين برجية المثقفين ومفكري الصفوة وبين جماهيرية الملتقي الشعبيrlm;,rlm; ولعلنا نستطيع أن نتعرض في مقال قادم لجسور الوصل الثقافية بين البرجية والجماهيريةrlm;..rlm; واعتذر عن الاشتقاق في الاصطلاحين لأني لن أستطع أن اتفاداهrlm;..rlm;


وللحديث بقيةrlm;.rlm;