إلياس حرفوش

بات واضحاً من متابعة المواقف السورية التي ظهرت على لسان المسؤولين فيها أو من خلال متابعة تعليقات وسائل الاعلام السورية، أن هناك ميلاً واضحاً في دمشق الى اعتبار الاتصالات الديبلوماسية الغربية الأخيرة معها بمثابة تراجع عن المواقف الغربية السابقة التي كانت تتجه الى فرض العزلة على سورية وقطع الاتصال بها، بانتظار أن يتغير laquo;سلوكهاraquo; أو تتحسن طريقة تعاطيها مع القضايا والازمات الاقليمية. فدمشق ترى أن هذه الاتصالات دليل على قدرتها على المحافظة على ثبات مواقفها في الوقت الذي تفرض على الآخرين تغيير سياستهم حيالها. وهكذا لم تخف دمشق سعادتها حيال زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون اللاجئين ايلين سوربري رغم اجتماعها اليتيم مع نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، أو زيارة منسق السياسة الخارجية الاوروبية خافيير سولانا، رغم أن اجتماعه بالرئيس السوري بشار الاسد لم تتجاوز مدته ربع ساعة، لا يمكن اعتبارها بأي مقياس ديبلوماسي مؤشراً الى علاقات حميمة ولا حتى الى تبادل مقبول لوجهات النظر، رغم ملف الخلافات الطويل الذي يفصل بين الجانبين.

من هذا المنظار، يصح اعتبار التعليق الذي نشرته مثلاً صحيفة laquo;الثورةraquo; السورية من ان هذه الاتصالات اثبتت ان laquo;سورية عصية على العزلraquo; من نوع التعلق بحبال الامل اكثر مما هو قراءة صحيحة لحقيقة ما يجري في اللقاءات السورية - الغربية. فسورية تأمل بأن تكون قدرتها على تعطيل الحلول أو اعاقة مسيرة المشروع الغربي في المنطقة، كما تنظر اليه، كافية لدفع الاطراف الخارجية الى الزحف باتجاهها طلباً للعون. وقد تكون هناك فعلاً مثل هذه الرغبة الغربية. فالأوروبيون والاميركيون يفضلون بالتأكيد دوراً سورياً ايجابياً في المنطقة لأنه اقل كلفة بالنسبة إليهم.

لكنها ليست رغبة غربية غير مشروطة، كما أنها، وهذا الاهم، لا تسقط الاشتراطات السابقة التي يتوقع ان تسبق او ترافق اي تحسن في علاقات دمشق مع العالم الغربي. ويؤكد هذه القراءة ما صرح به خافيير سولانا امس عقب زيارته لسورية بأن رغبة دول اوروبا في اذابة جليد العلاقات بينها وبين دمشق تتوقف على رغبة سورية في قيام حال من الاستقرار في الشرق الاوسط، وخصوصاً في لبنان والعراق. وحدد سولانا laquo;دفتر الشروطraquo; الاوروبية المعروض على دمشق بثلاث نقاط: المساعدة على حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي - التوقف عن دعم laquo;حزب اللهraquo; وتحركاته الهادفة الى اسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة - المساعدة على وقف العنف في العراق. وتشير مناطق النزاع الثلاث الى مدى التناقض بين الرؤية الغربية للحل وبين الدور السوري، مما يفرض على سورية تقديم تنازلات اساسية على حساب سياستها ومواقفها اذا شاءت تلبية الشروط الموضوعة من اجل حوار ناجح معها يوصل الى ما تصبو اليه من استعادة لدورها ونفوذها الاقليمي.

واذا اضيف الى ذلك ما اصبح متداولاً بشأن المؤتمر الذي عقد لبحث الوضع في العراق والذي شاركت فيه سورية وايران، من أن أي لقاء ثنائي لم يحصل بين السفيرين الاميركيين خليل زاد ورامسفيلد وممثل سورية في المؤتمر السفير احمد عرنوس، في الوقت الذي حصل لقاء مواز بين خليل زاد وممثل ايران في المؤتمر، يصبح واضحاً ان التفاؤل السوري بمستقبل الاتصالات القائمة وما يمكن أن تسفر عنه يجب أن يقابَل بالحذر، خصوصاً انه لا ترافقه الى الآن أي خطوات سورية تجاه المساهمة الايجابية في الحلول المطروحة لمشاكل المنطقة.