عبد الرحمن الراشد

بعد الشك المصري في علاقات بن لادن بالعمليات الإرهابية على أراضيها مع المنشقين من الإخوان المسلمين في السودان، وبعد أن صار مؤكدا انخراطه في تنظيم القاعدة من السودان، أعلنت السعودية براءتها وسحبت جنسيتها من بن لادن. والحق يقال إن نزع الجنسية خطوة لم تكن مقبولة ولا مفهومة حينها لأنها غير مألوفة. وواجهت انتقادا هامسا على اعتبار أن الحكومات لا تنزع الجنسية، بل تحاسب المخطئ من مواطنيها مهما كانت جريمته. لكن أثبتت الأيام أن سحب الجنسية كانت خطوة قانونية وسياسية مهمة جدا، خدمت البلاد بشكل كبير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لأنها قدمت دليلا قاطعا على عدم وجود علاقة مع بن لادن، ردا على أطراف اميركية حاولت التشكيك، مدعية انه موظف عند الحكومة السعودية، مستشهدة بأنها أرسلته إلى أفغانستان ومولته وعاد إليها بعد الحرب.

أما بالنسبة لابن لادن فقد صار في النصف الثاني من الثلاثينيات من عمره، وباتت قضيته معقدة أكثر. فهو انقلب على بلده الذي دعمه في سنوات حرب أفغانستان، فخرج منه إلى غير رجعة، ودخل عالم التكفير وتورط في إراقة دماء المسلمين. فالأمور كانت سهلة فكريا وسياسيا عندما كان بعيدا في أفغانستان، وصغيرا في السن بالنسبة لشخص يرى العالم من منظار ديني، حيث كانت في نظره حربا بين كفار ومسلمين، إلا أنها في اليمن ومصر كانت حربا بين مسلمين. وهنا نرى تأثير الإخوان المسلمين فجأة على فكر بن لادن السلفي، حيث إن الإخوان دائما في معركة محلية لا خارجية، يكفرون الحكومات المسلمة والمجتمع المسلم ويوجبون قتاله.

وبحسب ما قيل، جاء ذلك بسبب دخول الدكتور أيمن الظواهري في حياة بن لادن القادم من بلاد الأفغان. الظواهري الإخواني الهارب من مصر يحمل قضية واحدة هي قتال النظام المصري، الذي سنجد انه أكثر شخص أثر على مسيرة بن لادن، واتضح لاحقا انه القائد الميداني الفعلي لتنظيم القاعدة، عندما غادر الاثنان السودان إلى أفغانستان. بن لادن كأي محترف عسكري وحزبي مؤدلج، لم يجد صعوبة في وراثة بقايا الأفغان العرب الذين أهملوا بعد هزيمة السوفييت، وكونوا معه التنظيم الذي نراه لاحقا يهز العالم. نرى أيضا كيف أن بن لادن المحترف للقتال والمنخرط في الحركة السياسية الإقليمية لأكثر من ربع قرن، ليس بذلك المثقف في الشأن الدولي. فقد اعتقد أن سقوط الاتحاد السوفييتي المدهش في عام 91 جاء نتيجة لحربه ورفاقه في أفغانستان، وإخراجهم منها عام 89، ولم يدرك طبيعة صراع الدولتين العظميين الذي استغرق نصف قرن واستخدمت فيه أسلحة كثيرة تقاتلت في ساحات متعددة في أنحاء العالم، رافقها بناء عسكري مرهق اقتصاديا لترسانات من أسلحة تقليدية ونووية وفضائية. لم تكن أفغانستان إلا قشة أخيرة، حيث كان الاتحاد السوفييتي يترنح في قلب موسكو نفسها.