الأثنين 19 مارس 2007


​أمين محمد أمين

على مدى أكثر من 3 سنوات وبلاد الرافدين تشهد أكبر عمليات نزوح جماعي داخلي وخارجي وتحول العراقيون والعراقيات في وطنهم وخارجه إلى لاجئين تطاردهم في الداخل رصاصات الصراع الطائفي والمذهبي غير المبرر، والذي دفعهم، إلى النزوح من مساكنهم ببغداد وغيرها من المحافظات، إلى الهجرة الاضطرارية لإنقاذ أرواحهم وأسرهم بالهروب، إلى مناطق أكثر أمنا. ​
​وللأسف لاتوجد ببلاد الرافدين حالياً منطقة آمنة باستثناء المناطق الكردية بإقليم كردستان التى فرض عليها البشمرجة (القوات الخاصة الكردية) حزاما أمنيا يمنع دخول أي عراقي غير كردي إلى الأراضي الكردية التي أصبحت بالحكم الذاتي منفصلة فعلياً عن العراق الأم وذلك على الرغم من أن رئيس العراق العربية جلال طالباني كردي!!. ومع وعود تحقيق ديمقراطية الفوضى واستقبال قوات التحرير الأنجلوأمريكية بالورود مع غزوها للعراق وتحريره من حكم صدام حسين من يومها لم تهدأ بلاد الرافدين وتستقر ويتساقط يومياً المئات من الضحايا الأبرياء ويجرح الآلاف في اعتداءات غير مبررة وأخطرها هو هروب أكثر من 4 ملايين عراقي للخارج يوماً بعد يوم لدول الجوار لسوريا والأردن ومصر وتتزايد أعداد الهجرة للخارج والتى تقدرها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالعراق بأكثر من 100 ألف عراقي يهربون من ديارهم شهرياً على الأقل لينضم اللاجئ العراقي إلى أكثر من 4 ملايين لاجئ فلسطيني، يعيشون في المخيمات في انتظار حق العودة لوطنهم المحتل من عام ،1948 ولكن للأسف إسرائيل طلبت رفع بند عودة اللاجئين من مفاوضات الحل النهائي في مسيرة السلام!! ورغم ذلك ونرجو من الله ألا تطول فترة عودة اللاجئين العراقيين إلى وطنهم المحتل من القوى الخارجية والداخلية أيضاً وأن لايلحق اللاجئ العراقي باللاجئ الفلسطيني الذي تعرض هو الآخر لنزوح اضطراري لأكثر من 30 ألف لاجئ فلسطيني كانوا يعيشون على أرض العراق في عهد صدام أجبروا للنزوح الجماعي إلى الحدود ولا تزال تواجههم مع النازحين العراقيين مشكلة تراكمهم على الحدود حيث تحاول العديد من دول الجوار الحد من دخول العراقيين وإذا سمحت لهم بالدخول لاتمنحهم إقامة أكثر من 3 أيام فقط ثم تطالبهم بالمغادرة والأخطر هو غلق دول الجوار لحدودها أمام اللاجئين.
ورغم عدم وجود إحصاء دقيق لأعداد النازحين داخلياً فإن كل المؤشرات تشير إلى أن النزوح العراقي الكبير وهو ما أضطر العديد من دول الجوار وفي مقدمتها الأردن وسوريا إلى غلق حدودها أمام طوائف الهاربين من الموت بالعراق ومع سعي العراقيين إلى دول الخليج ولبنان ومصر وتركيا إلا أن انعكاسات الصراع الطائفي دفعها إلى فرض حظر على دخول العراقيين.
الهروب من نيران الحرب الأهلية غير المبررة دفع العديد من العراقيين إلى التقدم بطلبات للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين للحصول على لقب لاجئ من مواطني ثاني دولة تملك أكبر مخزون نفطى في الخليج وشعبها تحول إلى لاجئ يبحث عن مكان آمن له للعيش في أي بقعة في العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي تمنع دخولهم رغم ممارسة laquo;الديمقراطيينraquo; ضغوطا على الرئيس بوش لفتح الأبواب أمام قبول لاجئين عراقيين بأمريكا خصوصا بعد قبول الإدارة الأمريكية لـ202 لاجئ عراقي العام الماضي من بين المتعاونين مع قواتها على أرض بلاد الرافدين وهم من بين 70 ألف لاجئ قبلتهم من دول العالم بينما منحت استراليا ألفي تأشيرة دخول للاجئين عراقيين في أسرع أزمة للاجئين تنمو في العالم .
هذا الخطر الجديد حذر منه بكل أسف أنطونيو جوتيريس المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كلمته أمام وزراء الخارجية العرب باجتماعهم الأخير بالقاهرة والذي شهده السفير الأمريكي بمصر مع سفراء الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن وكانت لفتة جميلة من مفوض اللاجئين استشهاده بالقرآن الكريم وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام في تناول القوانين الإسلامية ومسألة اللجوء المستأمن بكل أمان واحترام وهو مايمثل حجر الأساس للقوانين الدولية للاجئين .. وهذا الأمان كان يمنحه الإسلام للمؤمنين وغير المؤمنين في سورة التوبة الآية (6) (وإن أحد من المشركين إستجار فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغ مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) صدق الله العظيم .
من هذا المنطلق دعا المفوض السامي للاجئين الدول العربية للتوقيع على اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 للاجئين انطلاقا من أننا جميعاً نطبق هذه القيم من خلال الدين الإسلامي الحنيف، إلى جانب أن تقاليد وممارسة منح الحماية أمر كائن ونابض في عمل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والتي ستعقد مؤتمراً في نوفمبر المقبل بباكستان حول اللاجئين خصوصا وأن كل الإحصائات تشير إلى أن غالبية اللاجئين على مستوى العالم من المسلمين !!. أمام ذلك كانت الدعوة للعالم الإسلامي والعربي للعب دور فعال في مناقشة وصياغة وتنفيذ سياسة دولية للاجئين خصوصا أمام زيادة حدة التعصب وبزوغ الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية وأصبح اللاجئون المسلمون هم أول ضحايا الإرهاب.
ومع مناقشة وزراء الخارجية للأبعاد العسكرية والسياسية للأزمة العراقية كانت دعوة مفوض اللاجئين للجميع للنظر للمأساة الإنسانية المصاحبة للغزو الأنجلو ــ أمريكي للعراق، الذي أدى إلى أكبر نزوح في الشرق الأوسط منذ مأساة فلسطين عام 1948 وأضطر عراقي من بين كل ثمانية عراقيين إلى هجرة منزله وبلده ووطنه وحالياً يوجد أكثر من 1,8 مليون عراقي نازح داخلياً ومليوني عراقي فروا من بلادهم ومن المتوقع ارتفاع أعداد اللاجئين العراقيين لمناطق آمنة بالداخل لأكثر من 2,3 مليون مع نهاية العام الحالى 2007 هذا إلى جانب وجود أكثر من مليون عراقى بسوريا و750 ألفا بالأردن و100 ألف بمصر و40 ألف بلبنان و500 ألف بإيران وخمسة آلاف بتركيا إلى جانب المهجرين لدول أوروبية وآسيوية وإفريقية .
هذه المأساة التى لم تدرج بعد على جدول أعمال مجلس الجامعة، ندعو الله أن تناقش قمة الرياض العربية المقبلة أبعادها خصوصا وأنه سيعقد بعد انعقاد القمة يومى 17 و18 ابريل المقبل مؤتمر حول الاحتياجات الإنسانية للاجئين العراقيين والنازحين داخلياً من أجل حث المجتمع الدولى على تقدير الأبعاد الإنسانية لأوضاعهم المأساوية التي تتزايد في ظل إستمرار الإحتلال والفتنة الطائفية والدينية والمذهبية والتي تتزايد يوما بعد آخر رغم كل الجهود والمحاولات المبذولة . مأساة اللاجئين العراقيين المغيبة إعلامياً واجهها في نفس الاجتماع الوزاري ومن قبله هجوم عراقي على الجامعة العربية والمسؤولين العرب من خلال تكرار لوم العرب لأنهم من وجهة نظر القيادات العراقية الحالية لم يقوموا بواجبهم إزاء بلاد الرافدين.. هذا اللوم الذي صاحبه مطالبة عراقية للدول العربية بإسقاط ديونها المتراكمة منذ فترة على العراق . دعا الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى التساؤل عما يريده العراق من أمته العربية هل هو الانضمام بقواتها إلى القوات الأجنبية في العراق؟ ومن هي الجهة التي لها حق دعوتهم؟ وما هي المهمة المطلوبة منهم؟. وفي إطار حملات الإنقاذ العربية للعراق كانوا أول من نادوا بالمصالحة الوطنية العراقية كأساس لإنقاذ بلاد الرافدين وانعقد أول مؤتمر للمصالحة بالقاهرة بدعوة من الجامعة العربية واتفقوا على عقد مؤتمر للوفاق العراقي بكل أسف لم ينعقد للآن.
وفي مواجهة عنفوان الطائفية وهيجان العرقية الذي نرجو من الله ألايمتد لباقي الجسد العربي والإسلامي مما يهدد مناطق حيوية كبيرة من العالم بتوترات وتقلصات شديدة وهذا الخطر الحالي والمقبل دعا القمة العربية إلى وضع ملف الانقسام المذهبي بين السنة والشيعة على رأس الموضوعات التي سيناقشها القادة العرب في جلسات عملهم المغلقة بالقمة والتي ستقتصر عليهم وعلى وزراء الخارجية فقط ومن الطبيعي أن يكون أساس الحوار استمرار الأوضاع المتردية في العراق والتي لا يمكن اقتصار معالجتها أمنياً وعسكرياً فالأهم هو وأد الصراع الطائفي والمذهبي وتقسيم العراق إلى دويلات مذهبية تحت دعوى تحقيق الفيدرالية من خلال اتفاق الجميع داخلياً وخارجياً على إلغاء دعاوى التقسيم تحت دعوى أي ظروف وتحت أي مسمى وأن تكون المواطنة أساسا للحياة والمشاركة بالعراق الجديد وتوزيع عادل للثروة بين كل العراقيين وإلغاء الميليشيات وإعادة الإعمار . هذه الأسس لحل الأزمة العراقية التي حددها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم يوم 3 مارس الحالي بالقاهرة في انتظار رفعها إلى قمة الرياض، مدعمة بالحوار السعودي- الإيراني والذي يجب أن يمتد إلى حوار عربي إيراني خصوصا أن اجتماع كبار المسؤولين بدول الجوار الذي عقد يوم 10 مارس الماضي ببغداد واستقبلته مدافع الهاون لم يخرج بكل أسف عن نتائج محددة وأختلف الجميع حول مكان وموعد الاجتماع الوزاري المقبل ولم تصدر عنه أية قرارات لأن جميع الوفود لا تملك سلطة إتخاذ القرار وكان إجتماعه الذي أعتبره البعض خطوة على الطريق لمشاركة دول الجوار في حل الأزمة العراقية كأن لم يكن خصوصا في ظل الهيمنة الإيرانية والإصرار الأمريكي على الانسحاب بشرف من العراق والتعلل بالموقف السوري الداعم للعناصر الإرهابية ومطالبة دمشق بإغلاق الحدود مع العراق وترحيل ممثلي الجهاد وحماس وغيرهما من منظمات المقاومة وعدم دعمها لحزب الله.
هذه الشروط الأمريكية مع الضغوط الإيرانية والتركية واستغلال الجميع كساحة لتصفية حساباتهم ساعدت على استمرار الانهيار والتردي لأزمة العراق التي تدخل عامها الرابع وهي تسير من سوء إلى أسوأ من خلال حرب أهلية غير مبررة.
فهل تنجح قمة الرياض في وقف نزيف الدم والهجرة لأبناء الرافدين حماية للعراق وللمنطقة من أخطار مقبلة؟!.​