جميل الذيابي


بضعة أيام وتتجه البوصلة العربية والنظرة الدولية صوب العاصمة السعودية الرياض، ذات الثقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي على المستويات العربية والإسلامية والدولية، التي تحتضن أعمال القمة العربية التاسعة عشرة. شرعت السعودية منذ نحو عام في دراسة حال الشتات العربي برغبة في laquo;تغيير الوضع المأسويraquo;، وتفكيك تصلّب الشرايين، وإيقاف نزيف أوردة الجسم العربي المنهك من الأمراض والأوبئة laquo;المزمنة - المتجددةraquo;.

رجاء الشارع العربي ان يأتي الزعماء إلى الرياض بعقلية منطقية وذهنية مفتوحة، تدرك تزايد حجم الهموم والمشاكل. وأن تحط طائراتهم على أرض مطار الملك خالد وهم عاقدون العزم على إصلاح البيت العربي، وتفعيل العمل المشترك، وإعادة تأهيل الشعوب قولاً وفعلاً، لجمع الشتات بدلاً من تزايد نبرة الانقسامات والاختلافات والمذهبيات والعصبيات.

على laquo;قمة الرياضraquo; تذكير الزعماء بحجم التحديات الخارجية، وتفاقم الأزمات الداخلية، وضرورة الابتعاد عن فرقة القرار وتشتت الجهود، وفتح أفق الحريات، وتبادل المشورة مع المجتمعات عند اتخاذ القرارات المصيرية، والمناداة بالحفاظ على الهوية العربية.

الوضع العربي الحالي laquo;مأسويraquo;، بل laquo;قهريraquo; و laquo;محيرraquo; و laquo;مربكraquo;، ويصعب التكهّن بما سيؤول إليه، في ظل تنامي حال التخبط الشعبي والتعنت الحكومي. اختلافات فلسطينية - فلسطينية، وتخوينات سياسية بين أعمدة السياسة اللبنانية، وحرب طائفية طاحنة بين العراقيين، وتدخلات خارجية في شؤونهم الداخلية من دول مجاورة وأخرى طامعة. واتهامات ضد سورية، يساعد على تصاعدها الالتفاف والتحالف مع إيران، وعدم الاستجابة للمتطلبات الدولية.

وفي المغرب العربي، لا يزال التوتر والشد والجذب laquo;مستمراًraquo; بشأن الصحراء الغربية. وسودان تقضّ مضجعه أزمة دارفور والقرارات الدولية في هذا الشأن. وصومال لا تكل ولا تمل أرضه من الاضطرابات والنزاعات. وخليج مليء ببراميل الذهب الأسود، وتهدّد أمنه واستقراره جماعات إرهابية، ومصالح ومطامع خارجية، وطموحات ونيات إيرانية.

وضع عربي laquo;مزرٍraquo; ينتظر ثورة ترافقها نهضة احترافية. وعلى الحكومات أن تبدأ بقرارات إصلاحية فاعلة، تمكّن الشعوب من القدرة على العمل الدؤوب لخلق حال laquo;عصريةraquo;، بالتوازي مع منح المجتمعات كامل الحقوق، من الحريات والتوزيع العادل للثروات ولجم الفساد.

عيون العرب شاخصة باتجاه الرياض، عسى ان تشهد القمة ميلاد عالم عربي جديد، يركل الانقسامات ويرفض فنون التهريج على الشعوب، ويعلن قيام ثورة إصلاحية حقيقية ترسمها الحكومات وتنفذها المجتمعات.

laquo;قمة العربraquo; تحتاج إلى اتخاذ جملة قرارات إصلاحية سياسية واقتصادية واجتماعية ملزمة ومقنعة، لتحقق ما لم تتمكن سابقاتها من تحقيقه.

هناك خلل واضح في مسيرة العمل العربي المشترك، وبطء في حركة الإصلاح الداخلي، وصعوبة في تنفيذ قرارات القمم السابقة، والتهابات laquo;مزمنةraquo; في العلاقات العربية - العربية، وتوترات واضطرابات نفسية في عمق الجسد العربي.

يجب ان يتخلص بعض الزعماء العرب وشعوبهم من التصنيفات laquo;العصبيةraquo;، التي تستخدم لتقسيم البلدان العربية إلى laquo;دول ثوراتraquo; و laquo;دول ثرواتraquo;، ودول رجعية وأخرى تقدمية، ودول صمود وتصد، وتصنيفات أخرى لم ينزل الله بها من سلطان، ما خلق فراغاً كبيراً ومساحات شاغرة في العمل العربي المشترك، بدلاً من تعاطي الدول العربية مع بعضها وفق منظور laquo;استراتيجيraquo; ينسجم مع الانتماء والهوية العربية.

أعتقد ان laquo;قمة الرياضraquo; إن لم تركز على الإصلاحات الداخلية والحريات، وتوسيع مستوى المشاركة الشعبية، وتطوير التعليم والتأهيل، والتوافق على حل المشكلات والأزمات، ونبذ الاختلافات، فستبقى مثل سابقاتها. أي تبدأ بالمصافحات وتتوسطها خناقات وتختتم بالبيانات والتصريحات laquo;المخشبةraquo;. وهنا لا عزاء للشعوب إلا ضرب الكف بالكف حزناً وألماً!