الثلاثاء 20 مارس 2007


د. عبدالخالق عبدالله


رغم ان دبي ليست بمدينة نفطية، إلا أن شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; ثاني اكبر شركة في العالم تعمل في مجال تجهيز حقول النفط قررت نقل مقرها الرئيسي ومقر رئيسها التنفيذي إلى دبي من دون غيرها من المدن النفطية في المنطقة. ورغم كل ما يقال عن الازدحام المروري الخانق وغلاء المعيشة المتزايد فقد قررت شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; الهجرة إلى دبي ثاني اغنى وأكبر مدن دولة الإمارات العربية المتحدة وليس إلى المدن الأخرى الأقل ازدحاما والأقل غلاء في شرق الكرة الأرضية.

ورغم التوترات الإقليمية المزمنة والحديث المتزايد عن احتمالات اندلاع حرب رابعة في المنطقة فإن شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; القريبة الصلة بصانع القرار في واشنطن بما في ذلك نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، اعلنت الهجرة إلى الخليج العربي وليس إلى المناطق الأقل توترا في قارة آسيا. كما اتخذت الشركة قرار الهجرة في هذا التوقيت بالذات لتوحي ضمنا انها لا تتوقع اندلاع موجة عسكرية في المستقبل القريب، وحتى لو اندلعت حرب الخليج الرابعة فهي تراهن بقوة على الأمن والاستقرار في دبي كمقرها العالمي المستقبلي.

ورغم ان دبي هي المقر الإقليمي لأكثر من 90 شركة من اصل 100 أكبر شركة في قائمة ldquo;فوربسrdquo; للشركات العالمية العملاقة فإن هذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها شركة كبرى نقل مقرها العالمي الرئيسي وليس مقرها الإقليمي إلى المدينة التي اعلنت مؤخرا خطة استراتيجية طموحة قائمة لاستمرار النمو السريع وزيادة اجمالي الناتج المحلي إلى حوالي 110 مليارات دولار بحلول عام 2015.

نقل المقر العالمي الرئيسي إلى دبي هو الجديد في قرار شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; الذي وصفته صحيفة ldquo;فايننشال تايمزrdquo; البريطانية بأنه بمثابة ldquo;ثورةrdquo;. لقد فجرت هذه الهجرة المفاجئة وغير المسبوقة موجة من ردود الأفعال الأمريكية الغاضبة التي وصفت قرار شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; بأنه ldquo;اهانة لأمريكاrdquo;. فكيف تجرأت هذه الشركة العملاقة التي تأسست عام 1919 وتعمل في مجال الطاقة في أكثر من 70 دولة في العالم والقريبة الصلة بالحزب الجمهوري الأمريكي اتخاذ قرار بالهجرة من الولايات المتحدة أرض الاحلام القديمة إلى دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة ارض الاحلام الجديدة؟ وهل ستكون هجرة شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; بداية لموسم نقل شركات عملاقة اخرى لمقرها العالمي الرئيسي إلى دبي التي تخطط كي تكون مقر وسط العالم بحلول عام 2050؟

يقول ديفيد ليسار رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي لشركة ldquo;هاليبرتونrdquo; والذي سيستقر في دبي بشكل دائم ان قرار الهجرة هو قرار تجاري واداري بحت. فشركته اصبحت أكثر نشاطا في الخارج الأمريكي مما هي في الداخل الأمريكي والجزء الاهم لنشاطات وعمليات الشركة التي تقدر بحوالي 14 مليار دولار عام 2006 سينتقل في المستقبل القريب إلى شرق الكرة الارضية حيث توجد أكبر حقول النفط والغاز الطبيعي في العالم. ان المنطق التجاري السليم يحتم نقل المقر الرئيسي للشركة من مدينة هيوستن المقر الرئيسي للشركة خلال ال88 سنة الاخيرة إلى دبي التي ستكون المقرالعالمي الجديد خلال فترة ال88 سنة القادمة وهي العمر الافتراضي للاحتياطي النفطي الخليجي.

رغم الهجرة إلى دبي ستظل شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; محتفظة بجنسيتها الأمريكية. لكن الجنسية الأمريكية لا تعني الولاء والانتماء السياسي والعاطفي لأمريكا. فالاعتبار الاول والاخير بالنسبة لشركة ldquo;هاليبرتونrdquo; وكافة الشركات المعولمة هو الربح السنوي والعائد المالي والاستثمار في المجال النفطي والبقاء في المقدمة في ظل منافسة شرسة مع بقية الشركات العالمية.

لكن قرار الهجرة إلى دبي بقدر ما يرتبط بالاعتبارات الخاصة لشركة ldquo;هاليبرتونrdquo; له علاقة وثيقة وعضوية بتحول مركز الثقل النفطي العالمي إلى الخليج العربي. فالبيانات النفطية تشير إلى ان الولايات المتحدة فقدت قيادتها النفطية التقليدية. ما زالت الولايات المتحدة أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم لكنها لم تعد أكبر دولة منتجة للنفط ولم تعد أكبر دولة مصدرة للنفط ولا تملك سوى 20 مليار برميل من الاحتياطي النفطي الذي سينتهي خلال السنوات العشر القادمة. كانت الولايات المتحدة الدولة النفطية الاولى في العالم وكانت في يوم من الايام تملك أكبر قدر من الاحتياطي النفطي العالمي وتملك أكبر الحقول النفطية العملاقة. كل ذلك كان في قديم الزمان واصبح الآن جزءا من التاريخ البعيد الذي لن يعود.

أما اليوم فالنفط الخام يوجد بغزارة وبكميات ضخمة في خمس دول خليجية وأكثر من 70% من اجمالي الاحتياطي النفطي العالمي موجود في الخليج العربي. دول الخليج تنتج أكثر من 30% من النفط الخام العالمي وهي أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم. كما ان أكبر الحقول النفطية في العالم هي حقول نفطية خليجية، وأكبر عدد من الحقول النفطية العملاقة التي تم اكتشافها حتى الآن موجودة في دول الخليج العربي. وتجدر الاشارة إلى ان حقلا نفطيا واحدا في الإمارات فيه من النفط ما يوازي كل النفط الموجود في كل انحاء الولايات المتحدة الأمريكية. كما ان حقلا نفطيا واحدا في السعودية فيه من النفط ما يوازي ضعف النفط الموجود في روسيا والولايات المتحدة معا. والمدهش انه رغم كل الإنتاج والتصدير اليومي فإن الاحتياطي النفطي الخليجي يزداد مع مطلع كل يوم جديد.

تؤكد هذه الحقائق النفطية وبما لا يدع مجالا للشك ان مركز الثقل النفطي العالمي اخذ ينتقل تدريجيا من الولايات المتحدة إلى الخليج العربي. وحيثما ينتقل مركز الثقل النفطي العالمي تهاجر شركات النفط العالمية وفي المقدمة منها شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; التي تود ان تكون قريبة جغرافيا واداريا وفنيا من أكبر حقول النفط والغاز الطبيعي في العالم. خطوة شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; بداية موسم هجرة شركات النفط العملاقة، كما سبق ان هاجرت شركات في قطاعات استراتيجية كثيرة إلى خارج الولايات المتحدة في الآونة الاخيرة.

لكن هجرة شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; ليست بالضرورة هجرة طوعية بل ربما كانت اضطرارية حيث وصفتها بعض الصحف الأمريكية ب ldquo;الهروب الجبانrdquo;. فهذه الشركة كما حال معظم شركات النفط هي من أكثر الشركات فسادا وذلك وفق تقرير الشفافية في العالم لعام 2005. شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; ملاحقة قضائيا في الولايات المتحدة بسبب قضايا الفساد المالي المرتبطة بعمليات اعادة اعمار العراق. كما يجري الكونجرس الأمريكي تحقيقاته في اختلاسات وأخطاء مالية واسعة ارتكبتها الشركة بسبب عقود تزويد الجيش الأمريكي في العراق علاوة على شبهات حول سلوكها الضريبي. وتتعرض الشركة لانتقادات في الصحافة الأمريكية بسبب نشاطاتها وعلاقاتها المشبوهة بالحزب الجمهوري الأمريكي والمحافظين الجدد في واشنطن. تقول السيناتور هيلاري كلينتون، من ولاية نيويورك وابرز المرشحين عن الحزب الديمقراطي الأمريكي في انتخابات الرئاسة لعام 2008rdquo; في أول رد فعل غاضب على هجرة شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; إلى دبي لدينا ادلة كثيرة على أن الشركة قد اساءت استخدام أموال الحكومة الأمريكية واساءت أكثر إلى جنودنا في العراق والى دافعي الضرائب ولا بد من التحقيق في ملفاتها الفاضحةrdquo;.

مهما كانت الأسباب الحقيقية للهجرة فإن شركة ldquo;هاليبرتونrdquo; تأتي محملة بالكثير من الفرص الاستثمارية الواعدة والكثير من الممارسات المثيرة للجدل علاوة على الكثير من الاهتمام الاعلامي العالمي بما يجري في دبي التي عليها أن تتعايش مع تداعيات قرارها الاستراتيجي للانتقال من المحلية إلى العالمية وتحولها إلى أكثر المدن عولمة وجاذبية في المنطقة العربية