سميح صعب


مجدداً تتحرك الديبلوماسية الاميركية في اتجاه الشرق الاوسط تحت عنوان تحريك المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية بينما المقصود هو توفير بيئة عربية داعمة لأي تحرك اميركي عسكري في المستقبل ضد ايران ومساعدتها على الخروج من ورطتها في العراق.

مجدداً تعود كوندوليزا رايس من دون ان تحمل في جعبتها ما يشير الى وجود خطة اميركية عملية لاحياء المسار الفلسطيني. ليس هذا فحسب، بل ان كل المؤشرات الاخيرة الصادرة عن الولايات المتحدة واسرائيل لا توحي امكان حصول تقدم فعلي على هذا المسار. ويفسر هذا الانطباع بالتشاؤم رد الفعل الاميركي على تأليف حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
فاسرائيل أبقت حصارها الاقتصادي وخفّضت مستوى اتصالاتها حتى بالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي كانت تعتبره حتى تأليف الحكومة الفلسطينية شريكاً ممكناً لها في المفاوضات. أما الولايات المتحدة فقد ضغطت على اللجنة الرباعية كي تبقي الحصار الاقتصادي على الحكومة الفلسطينية. وعمدت الى خفض المساعدة المالية التي كان من المقرر ان تقدمها الى القوى الامنية الفلسطينية الموالية لعباس، خشية وقوعها في أيدي quot;حماسquot; اثر تأليف حكومة الوحدة الوطنية.

اسرائيل لم تستفق بعد من صدمة حرب الصيف الماضي، كما ان مصير ايهود اولمرت المعلق بين ايدي لجنة فينوغراد يجعل الدولة العبرية غير قادرة على اتخاذ مبادرات سياسية حيال الفلسطينيين او غيرهم، وكل ما تفعله الان هو اعادة بناء جيشها والاستعداد لحرب على quot;كل الجبهاتquot; وفق ما قال وزير دفاعها عمير بيرتس علها تتعافى مما وصفه شمعون بيريس بquot;الهزيمة النفسيةquot; التي لحقت بها.
وان الوضع السياسي للمسؤولين الاسرائيليين غامض الى درجة يصعب معها الدخول في مبادرات سياسية. لذلك فإن الانتظار هو الخيار الذي تعتمده اسرائيل اليوم. وهي لن تفاوض، وقد اصابها شلل سياسي نتيجة فقدان الثقة بقدرتها على الردع العسكري.

كل المواقف التي يطلقها مسؤولون اسرائيليون في ما يتعلق بالمبادرة العربية للسلام على ابواب قمة الرياض، تبدو بمثابة لعب على انقسامات عربية بين معتدلين ومتشددين. وعندما تطالب اسرائيل بتعديل المبادرة ولا سيما بند حق اللاجئين في العودة، او تدعو الدول العربية الى التطبيع قبل الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي المحتلة عام 1967، فإنها بذلك تحاول قطف ثمار المبادرة من دون ان تقدم شيئاً في المقابل.

واذا كانت هذه حال اسرائيل، فإن حال الولايات المتحدة ليست بأفضل. فالادارة الاميركية التي تخوض quot;حرباًquot; مع الكونغرس من أجل الحصول على تمويل لحربها في العراق، وتحشد دعماً دولياً للضغط على ايران من اجل حملها على التخلي عن برنامجها النووي سلمياً او بالقوة، لا تجد الوقت مناسباً لخوض غمار تحرك ديبلوماسي فعلي من أجل احياء عملية السلام.

فالأولوية الاميركية هي الان التعامل مع الوضع في كل من العراق وايران. واذا كان ثمة تحرك أميركي معلن حيال الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي فهو سيوظف حكماً لمساعدة اميركا في العراق وايران. وكما اقتصرت رحلات رايس السابقة على الخروج باعلان النيات الحسنة، فإن زيارتها الحالية لن تتجاوز هذا الاطار.

ولو كانت هناك نية اميركية حقيقية لتحريك العملية السلمية، لتصرفت هي واوروبا بخلاف ما تصرفنا بإزاء اعلان حكومة الوحدة الفلسطينية. وعوض ان تلاقي اميركا واوروبا الفلسطينيين في منتصف الطريق بعد اتفاق مكة وتأليف حكومة الوحدة الوطنية، اظهرتا اصراراً على سد الافق السياسي أمام الشعب الفلسطيني، ومطالبته بتقديم المزيد من التنازلات.
ومن المؤكد ان واشنطن واوروبا تدركان ان البديل من اتفاق مكة كان الاقتتال الفلسطيني. فلماذا اذن كل هذه السلبية التي يواجه بها الفلسطينيون لأنهم قرروا عدم خوض الحرب الاهلية؟